للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٣] وَقَالَ: وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ [الشُّورَى: ٤٨] .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى النَّارِ،

قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَضَعَ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ بَعْضَهَا أَسْفَلَ مِنْ بَعْضٍ فَيَبْدَأُ بِالْأَسْفَلِ فَيَمْلَأُ وَهُوَ أَسْفَلُ سَافِلِينَ،

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْمَعْنَى ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ إِلَى النار.

[[سورة التين (٩٥) : آية ٦]]

إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦)

أَمَّا قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى وَلَكِنِ الَّذِينَ كَانُوا صَالِحِينَ مِنَ الْهَرْمَى فَلَهُمْ ثَوَابٌ دَائِمٌ عَلَى طَاعَتِهِمْ وَصَبْرِهِمْ عَلَى ابْتِلَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالشَّيْخُوخَةِ وَالْهَرَمِ، وَعَلَى مُقَاسَاةِ الْمَشَاقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعِبَادَةِ وَعَلَى تَخَاذُلِ نُهُوضِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ ظَاهِرُ الِاتِّصَالِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: غَيْرُ مَنْقُوصٍ وَلَا مَقْطُوعٍ وَثَانِيهِمَا: أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أَيْ لَا يَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الثَّوَابِ، لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُنَغَّصًا بالمنة. ثم قال تعالى:

[[سورة التين (٩٥) : آية ٧]]

فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧)

وَفِيهِ سُؤَالَانِ:

الْأُولَى: مَنِ الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: فَما يُكَذِّبُكَ؟ الْجَوَابُ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْإِنْسَانِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَما يُكَذِّبُكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنِ الْوَاقِعِ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فَهُوَ كَاذِبٌ، وَالْمَعْنَى فَمَا الَّذِي يُلْجِئُكَ إِلَى هَذَا الْكَذِبِ وَالثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ إنه خِطَابٌ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى فَمَنْ يُكَذِّبُكَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَعْدَ ظُهُورِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ بِالدِّينِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا وَجْهُ التَّعَجُّبِ؟ الْجَوَابُ: أَنَّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنَ النُّطْفَةِ وَتَقْوِيمَهُ بَشَرًا سَوِيًّا وَتَدْرِيجَهُ فِي مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي، تم تَنْكِيسَهُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ عَلَى الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، فَمَنْ شَاهَدَ هَذِهِ الْحَالَةَ ثُمَّ بَقِيَ مُصِرًّا عَلَى إِنْكَارِ الْحَشْرِ فَلَا شَيْءَ أَعْجَبُ مِنْهُ. ثم قال تعالى:

[[سورة التين (٩٥) : آية ٨]]

أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)

وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا تَحْقِيقٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ رَدِّهِ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَيْسَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ صُنْعًا وَتَدْبِيرًا، وَإِذَا ثَبَتَتِ الْقُدْرَةُ وَالْحِكْمَةُ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ صَحَّ الْقَوْلُ بِإِمْكَانِ الْحَشْرِ وَوُقُوعِهِ، أَمَّا الْإِمْكَانُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى الْقُدْرَةِ، وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى الْحِكْمَةِ لِأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي الْحِكْمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>