للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْمِ وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ فَماذا تَأْمُرُونَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لِقَوْلِهِ: فَماذا تَأْمُرُونَ غَيْرَ الَّذِي قَالُوا أَرْجِهْ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَماذا تَأْمُرُونَ كَلَامٌ لِغَيْرِ الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ. وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ الْقَوْمَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ثم قالوا لفرعون ولا كابر خَدَمِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ ثُمَّ أَتْبَعُوهُ بِقَوْلِهِمْ:

أَرْجِهْ وَأَخاهُ فَإِنَّ الْخَدَمَ وَالْأَتْبَاعَ يُفَوِّضُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ إِلَى الْمَخْدُومِ وَالْمَتْبُوعِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرُونَ مَا حَضَرَ فِي خَوَاطِرِهِمْ مِنَ الْمَصْلَحَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فَماذا تَأْمُرُونَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْقَوْمِ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَنْسُوقٌ عَلَى كَلَامِ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرُّتْبَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأَمْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَماذا تَأْمُرُونَ خِطَابًا مِنَ الْأَدْنَى مَعَ الْأَعْلَى وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ فِرْعَوْنَ مَعَهُ.

وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الثَّانِي: بِأَنَّ الرَّئِيسَ الْمَخْدُومَ قَدْ يَقُولُ لِلْجَمْعِ الْحَاضِرِ عِنْدَهُ مِنْ رَهْطِهِ وَرَعِيَّتِهِ مَاذَا تَأْمُرُونَ؟ وَيَكُونُ غَرَضُهُ مِنْهُ تَطْيِيبَ قُلُوبِهِمْ وَإِدْخَالَ السُّرُورِ فِي صُدُورِهِمْ وَأَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ كَوْنَهُ مُعَظِّمًا لَهُمْ وَمُعْتَقِدًا فِيهِمْ ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا الْخِطَابِ هُوَ فِرْعَوْنُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلرَّئِيسِ الْمُطَاعِ مَا تَرَوْنَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَيْ مَا تَرَى أَنْتَ وَحْدَكَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّكَ وَحْدَكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى كَمَالِهِ وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ وَحَالِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْخِطَابِ هُوَ فِرْعَوْنَ وَأَكَابِرَ دَوْلَتِهِ وَعُظَمَاءَ حَضْرَتِهِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَقِلُّونَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ والله اعلم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١١ الى ١١٤]

قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤)

[في قوله تعالى قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ] اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ أَرْجِهْ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَالْإِشْبَاعِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ أَرْجِهْ بِغَيْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عامر وابو عمر وارجئه بِالْهَمْزِ وَضَمِّ الْهَاءِ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ كَثِيرٍ أَشْبَعَ الْهَاءَ عَلَى أَصْلِهِ وَالْبَاقُونَ لَا يُشْبِعُونَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْجِهْ مَهْمُوزٌ وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ لُغَتَانِ يُقَالُ أَرْجَأْتُ الْأَمْرَ وَأَرْجَيْتُهُ إِذَا أَخَّرْتَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ [التَّوْبَةِ: ١٠٦] وتُرْجِي مَنْ تَشاءُ [الْأَحْزَابِ: ٥١] قُرِئَ فِي الْآيَتَيْنِ بِاللُّغَتَيْنِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ بِغَيْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْهَاءِ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ عَلَى الْهَاءِ الْمُكَنَّى عَنْهَا فِي الْوَصْلِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا وَأَنْشَدَ:

فَيُصْلِحُ الْيَوْمَ وَيُفْسِدُهُ غَدًا

قَالَ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ فَيَقُولُونَ: هَذِهِ طَلْحَهْ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَنْشَدَ لَمَّا رَأَى أَنْ لَا دَعَهْ وَلَا شِبَعْ

<<  <  ج: ص:  >  >>