وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ فَقَالَ صَاحِبُ [الْكَشَّافِ] : النَّظْمُ لَا يَحْتِمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: لَا تَحْسَبَنَّ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفِيٌ وَهَذَا إِيجَابٌ، فَهُوَ إِذَنْ مَعْطُوفٌ بِالْوَاوِ عَلَى مُضْمَرٍ قَبْلَهُ تَقْدِيرُهُ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ بَلْ هُمْ مَقْهُورُونَ وَمَأْوَاهُمُ النار.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠)
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ] اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قال القاضي: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الرِّجَالَ فَالْمُرَادُ بِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ يُغَلَّبُ عَلَى التَّأْنِيثِ فإذا لم يميز فيدخل تحت قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الْكُلُّ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِي النِّسَاءِ بِقِيَاسٍ جَلِيٍّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ فِي بَابِ حِفْظِ الْعَوْرَةِ أَشَدُّ حَالًا مِنَ الرِّجَالِ، فَهَذَا الْحُكْمُ لَمَّا ثَبَتَ فِي الرِّجَالِ فَثُبُوتُهُ فِي النِّسَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، كَمَا أَنَّا نُثْبِتُ حُرْمَةَ الضَّرْبِ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَالِغُونَ وَالصِّغَارُ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ الصِّغَارُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكَبِيرَ مِنَ الْمَمَالِيكِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنَ الْمَالِكِ إِلَّا إلى ما يجوز للحر أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ قَوْلُهُ: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَنْظُرَ عَبْدُهَا إِلَى قُرْطِهَا وَشَعْرِهَا وَشَيْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلِ الْبَالِغُ مِنَ الْمَمَالِيكِ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَعْرِ مَالِكَتِهِ وَمَا شَاكَلَهُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ عَبِيدِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَطْفَالِ مِنَ الْأَحْرَارِ بِإِبَاحَةِ مَا حَظَرَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ قَبْلُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النُّورِ: ٢٧] فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ إِلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَجَوَّزَ دُخُولَهُمْ مَعَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَدُخُولَ الْمَوَالِي عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ أَيْ يَطُوفُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا عَدَا الْأَوْقَاتَ الثَّلَاثَةَ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ أَوْجَبَ عَلَى مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ الْجَرْيَ عَلَى سُنَّةِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْبَالِغِينَ فِي الِاسْتِئْذَانِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَأَلْحَقَهُمْ بِمَنْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها.
المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ إِذَا كَانُوا بَالِغِينَ فَغَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute