للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة قريش]

وهي أربع آيات مكية

[سورة قريش (١٠٦) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢)

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ اعلم أن هاهنا مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِإِيلافِ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلَاثَةً، فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، أَوْ لَا تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً لَا بِمَا قَبْلَهَا، وَلَا بِمَا بَعْدَهَا أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا، فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ:

الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِلْفِ قُرَيْشٍ أَيْ أَهْلَكَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ، وَمَا قَدْ أَلِفُوا مِنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا جُعِلُوا كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِكُفْرِهِمْ وَلَمْ يُجْعَلُوا كَذَلِكَ لِتَأْلِيفِ قُرَيْشٍ، قُلْنَا هَذَا السُّؤَالُ ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِكُفْرِهِمْ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْكُفْرِ مُؤَخَّرٌ لِلْقِيَامَةِ، قَالَ تَعَالَى: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [غَافِرٍ: ١٧] وَقَالَ: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فَاطِرٍ: ٤٥] وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِكُفْرِهِمْ، لَكَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْكُفَّارِ، بَلْ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ وَلِتَعْظِيمِ مَنْصِبِهِمْ وَإِظْهَارِ قَدْرِهِمْ وَثَانِيهَا: هَبْ أَنَّ زَجْرَهُمْ عَنِ الْكُفْرِ مَقْصُودٌ لَكِنْ لَا يُنَافِي كَوْنَ شَيْءٍ آخَرَ مَقْصُودٍ حَتَّى يَكُونَ الْحُكْمُ وَاقِعًا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ معاو ثالثها: هَبْ أَنَّهُمْ أُهْلِكُوا لِكُفْرِهِمْ فَقَطْ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْإِهْلَاكَ لَمَّا أَدَّى إِلَى إِيلَافِ قُرَيْشٍ جَازَ أَنْ يُقَالَ: أُهْلِكُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَصِ: ٨] وَهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ حَسُنَ أَنْ يُمَهِّدَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطَ.

الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:

كُلُّ مَا فَعَلْنَا بِهِمْ فَقَدْ فَعَلْنَاهُ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، حَتَّى صَارُوا كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إِيلَافِ قُرَيْشٍ.

الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِإِيلافِ بِمَعْنَى إِلَى كَأَنَّهُ قَالَ: فَعَلْنَا كُلَّ مَا فَعَلْنَا فِي السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِلَى نِعْمَةٍ أُخْرَى عَلَيْهِمْ وَهِيَ إِيلَافُهُمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ تَقُولُ: نِعْمَةُ اللَّهِ نِعْمَةٌ ونعمة لنعمة

<<  <  ج: ص:  >  >>