للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَسَرَهَا مَعَ أَنَّ الْفَأْسَ بَيْنَ يَدَيِ الصَّنَمِ الْكَبِيرِ. وَثَالِثُهَا: الْمَعْنَى أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِكُمْ حَيْثُ سَأَلْتُمْ مِنْهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَخَذَ يَسْتَهْزِئُ بِكُمْ فِي الْجَوَابِ، وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْأَوَّلُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : نَكَسَهُ قَلَبَهُ فَجَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْمَعْنَى وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ اسْتَقَامُوا حِينَ رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَتَوْا بِالْفِكْرَةِ الصَّالِحَةِ، ثُمَّ انْتَكَسُوا فَقُلِبُوا عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ، فَأَخَذُوا [فِي] الْمُجَادَلَةِ بِالْبَاطِلِ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ تَقَاصُرِ حَالِهَا عَنْ حَالِ الْحَيَوَانِ الناطق آلهة معبودة. وثانيها: قلبوا على رؤوسهم حَقِيقَةً لِفَرْطِ إِطْرَاقِهِمْ خَجَلًا وَانْكِسَارًا وَانْخِذَالًا مِمَّا بَهَتَهُمْ بِهِ إِبْرَاهِيمُ فَمَا أَحَارُوا جَوَابًا إِلَّا مَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَثَالِثُهَا: قَالَ ابْنُ جرير ثم نكسوا على رؤوسهم فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ حِينَ جَادَلَهُمْ. أَيْ قُلِبُوا فِي الْحُجَّةِ وَاحْتَجُّوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِمَا هُوَ الْحُجَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فَأَقَرُّوا بِهَذِهِ لِلْحَيْرَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ، قَالَ وَالْمَعْنَى نُكِسَتْ حُجَّتُهُمْ فَأُقِيمَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ مَقَامَ الْخَبَرِ عَنْ حُجَّتِهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُرِئَ نُكِّسُوا بِالتَّشْدِيدِ وَنُكِسُوا عَلَى لَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَيْ نَكَّسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى رؤوسهم وَهِيَ قِرَاءَةُ رِضْوَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَعْبُودِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ فَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أُفٍّ صَوْتٌ إِذَا صُوِّتَ بِهِ عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ مُتَضَجِّرٌ، وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَضْجَرَهُ مَا رَأَى مِنْ ثَبَاتِهِمْ عَلَى عِبَادَتِهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ عُذْرِهِمْ، وَبَعْدَ وُضُوحِ الْحَقِّ وَزُهُوقِ الْبَاطِلِ، فَتَأَفَّفَ بِهِمْ. ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدْ عَرَفُوا صِحَّةَ قَوْلِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدْ ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلُوا. وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِقَوْلِهِ: / أَفَتَعْبُدُونَ وَلِقَوْلِهِ: أَفَلا تَعْقِلُونَ.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٨ الى ٧١]

قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ مَا أَظْهَرَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَإِبْطَالِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ التَّمَاثِيلِ أَتْبَعَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِمْ، وَأَنَّهُمْ: قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ وَهَاهُنَا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَنِ الْقَائِلُ لِذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ بْنِ سَنْجَارِيبَ بْنِ نُمْرُوذَ بْنِ كُوشِ بْنِ حَامِ بْنِ نُوحٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَشَارَ بِتَحْرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلٌ مِنَ الْكُرْدِ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ، وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ وَهْبٍ عَنْ شُعَيْبٍ الْجُبَّائِيِّ قَالَ: إِنَّ الَّذِي قَالَ حَرِّقُوهُ رَجُلٌ اسْمُهُ هِيرِينُ، فَخَسَفَ اللَّه تَعَالَى بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَمَّا كَيْفِيَّةُ الْقِصَّةِ

فَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا اجْتَمَعَ نُمْرُوذُ وَقَوْمُهُ لِإِحْرَاقِ إِبْرَاهِيمَ حَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>