للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التقوى وهذا معنى «لعل» وثانيها: الْمَعْنَى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ اللَّهَ بِصَوْمِكُمْ وَتَرْكِكُمْ لِلشَّهَوَاتِ فَإِنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَانَتِ الرَّغْبَةُ فِيهِ أَكْثَرَ كَانَ الِاتِّقَاءُ عَنْهُ أَشَقَّ وَالرَّغْبَةُ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَنْكُوحِ أَشَدُّ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ فَإِذَا سَهُلَ عَلَيْكُمُ اتِّقَاءُ اللَّهِ بِتَرْكِ الْمَطْعُومِ وَالْمَنْكُوحِ، كَانَ اتِّقَاءُ اللَّهِ بِتَرْكِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ أَسْهَلَ وَأَخَفَّ وَرَابِعُهَا: الْمُرَادُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ/ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ إِهْمَالُهَا وَتَرْكُ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ عِظَمِ دَرَجَاتِهَا وَأَصَالَتِهَا وَخَامِسُهَا: لَعَلَّكُمْ تَنْتَظِمُونَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فِي زُمْرَةِ الْمُتَّقِينَ لِأَنَّ الصَّوْمَ شِعَارُهُمْ والله أعلم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٤]]

أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)

اعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي انْتِصَابِ أَيَّاماً أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ: نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ فِي أَيَّامٍ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ: نَوَيْتُ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ خَبْرُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، كَقَوْلِهِمْ: أُعْطِيَ زَيْدٌ مَالًا وَالثَّالِثُ: عَلَى التَّفْسِيرِ وَالرَّابِعُ: بِإِضْمَارٍ أَيْ فَصُومُوا أَيَّامًا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا غَيْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ قَوْلُ مُعَاذٍ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ، وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا ثُمَّ فُرِضَ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ وَاجِبًا وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ غَيْرُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: مَا

رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ نَسَخَ كُلَّ صَوْمٍ،

فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ قَبْلَ وُجُوبِ رَمَضَانَ كَانَ صَوْمًا آخَرَ وَاجِبًا الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ حُكْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَهُمَا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الصَّوْمُ هُوَ صَوْمَ رَمَضَانَ، لَكَانَ ذَلِكَ تَكْرِيرًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَى التَّخْيِيرِ، يَعْنِي: إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الْفِدْيَةَ، وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ فَوَجَبَ أَنَّ يَكُونَ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ غَيْرَ صَوْمِ رَمَضَانَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ، كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي مُسْلِمٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ/ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ: شَهْرُ رَمَضَانَ قَالُوا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ أَوَّلًا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [البقرة: ١٨٣] وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِيَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَأَيَّامٍ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَزَالَ بَعْضُ الِاحْتِمَالِ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [الْبَقَرَةِ: ١٨٥] فَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ بِعَيْنِهَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِحَمْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِثْبَاتِ النَّسْخِ فِيهِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ.

أَمَّا تَمَسُّكُهُمْ أَوَّلًا

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ نَسَخَ كُلَّ صَوْمٍ» .

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ نَسَخَ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ كُلَّ صَوْمٍ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَسَخَ كُلَّ