للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمين الملتصق مسمم بِالشَّحْمِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ بِأَكْلِ ذَلِكَ اللَّحْمِ السَّمِينِ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوِ الْحَوايا قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَهِيَ الْمَبَاعِرُ وَالْمَصَارِينُ وَاحِدَتُهَا حَاوِيَةٌ وَحَوِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هِيَ الْحَوِيَّةُ أَوِ الْحَاوِيَةُ وَهِيَ الدَّوَّارَةُ الَّتِي فِي بَطْنِ الشَّاةِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ حَاوِيَةٌ وَحَوَايَا مِثْلُ رواية وَرَوَايَا.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا: فَالْمُرَادُ أَنَّ الشُّحُومَ الْمُلْتَصِقَةَ بِالْمَبَاعِرِ وَالْمَصَارِينِ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّالِثُ: قوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ قَالُوا: إِنَّهُ شَحْمُ الْأَلْيَةِ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كُلُّ شَحْمٍ فِي الْقَائِمِ وَالْجَنْبِ وَالرَّأْسِ وَفِي الْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُمْ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالشَّحْمُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُوَ الثَّرَبُ وَشَحْمُ الْكُلْيَةِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوِ الْحَوايا غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الْمُسْتَثْنَى بَلْ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالتَّقْدِيرُ: حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ شُحُومُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ قَالُوا:

وَدَخَلَتْ كَلِمَةُ «أَوْ» كَدُخُولِهَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الْإِنْسَانِ: ٢٤] وَالْمَعْنَى كُلُّ هَؤُلَاءِ أَهْلٌ أَنْ يُعْصَى فَاعْصِ هَذَا وَاعْصِ هَذَا فَكَذَا هَاهُنَا الْمَعْنَى حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ هَذَا وَهَذَا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَالْمَعْنَى: أَنَّا إِنَّمَا خَصَّصْنَاهُمْ بِهَذَا التَّحْرِيمِ جَزَاءً عَلَى بَغْيِهِمْ وَهُوَ قَتْلُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ وَأَخْذُهُمُ الرِّبَا وَأَكْلُهُمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النِّسَاءِ: ١٦٠] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّا لَصادِقُونَ أَيْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ بَغْيِهِمْ وَفِي الْإِخْبَارِ عَنْ تَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا التَّحْرِيمِ بِسَبَبِ بَغْيِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: نَفْسُ التَّحْرِيمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً عَلَى جُرْمٍ صَدَرَ عَنْهُمْ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ تَعْرِيضٌ لِلثَّوَابِ وَالتَّعْرِيضُ لِلثَّوَابِ إِحْسَانٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ جَزَاءً عَلَى الْجُرْمِ الْمُتَقَدِّمِ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الِانْتِفَاعِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِمَزِيدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِلْجُرْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَكُلُّ وَاحِدٍ منهما غير مستبعد.

[قوله تعالى فَإِنْ كَذَّبُوكَ إلى قوله عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ يَعْنِي إِنْ كَذَّبُوكَ فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَكَذَّبُوكَ فِي تَبْلِيغِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ فَلِذَلِكَ لَا يُعَجِّلُ عَلَيْكُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ أَيْ عَذَابُهُ إِذَا جَاءَ الْوَقْتُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ يَعْنِي الَّذِينَ كَذَّبُوكَ فِيمَا تقول. والله اعلم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٨ الى ١٤٩]

سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِقْدَامَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ فِي دِينِ اللَّهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ حكى

<<  <  ج: ص:  >  >>