للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثَّانِيَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْجِدَالَ مَعَ الْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ حَقٌّ حَسَنٌ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ.

المسألة الثَّالِثَةُ: الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ، وَبِالْهُدَى الِاسْتِدْلَالُ وَالنَّظَرُ لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ الْوَحْيُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُجَادِلُ مِنْ غَيْرِ مُقَدِّمَةٍ ضَرُورِيَّةٍ وَلَا نَظَرِيَّةٍ وَلَا سَمْعِيَّةٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ:

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ [الْحَجِّ: ٧١] وَقَوْلِهِ: ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا [الْأَحْقَافِ: ٤] أَمَّا قَوْلُهُ: ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَاعْلَمْ أَنَّ ثَنْيَ الْعِطْفِ عِبَارَةٌ عَنِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ كَتَصْعِيرِ الْخَدِّ وَلَيِّ الْجِيدِ وَقَوْلُهُ: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِضَمِّ الْيَاءِ فَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُجَادِلَ فَعَلَ الْجِدَالَ وَأَظْهَرَ التَّكَبُّرَ لِكَيْ يَتَّبِعَهُ غَيْرُهُ فَيُضِلَّهُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ فَجَمَعَ بَيْنَ الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ وَإِضْلَالِ الْغَيْرِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِفَتْحِ الْيَاءِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا أَدَّى جِدَالُهُ إِلَى الضَّلَالِ جُعِلَ كَأَنَّهُ غَرَضُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَحَ حَالَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيَوْمُ/ بَدْرٍ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عنهما أنهما نزلت في النضر بن الحرث وَأَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُخَصِّصُوا هَذِهِ الْآيَةَ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا مَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ بِذَمِّهِ وَلَعْنِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَقَوْلُهُ: وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الْخِزْيَ الْمُعَجَّلَ وَذَلِكَ الْعِقَابَ الْمُؤَجَّلَ لِأَجْلِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى مَطَالِبَ:

الْأَوَّلُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْعِقَابِ بِسَبَبِ عَمَلِهِ وَفِعْلِهِ فَلَوْ كَانَ فِعْلُهُ خَلْقًا للَّه تَعَالَى لَكَانَ حِينَمَا خَلَقَهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَحَالَ مِنْهُ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْهُ، وَحِينَمَا لَا يَخْلُقُهُ اللَّه تَعَالَى اسْتَحَالَ مِنْهُ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْعِقَابُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فَإِذَا عَاقَبَهُ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مَحْضَ الظُّلْمِ وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ.

الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا بِفِعْلِ ذَلِكَ الْعَذَابِ لِأَجْلِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ فَعَلَ فِعْلًا اسْتَحَقَّ بِهِ ذَلِكَ الْعِقَابَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَاقَبَهُ لَا بِسَبَبِ فِعْلٍ يَصْدُرُ مِنْ جِهَتِهِ لَكَانَ ظَالِمًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْذِيبُ الْأَطْفَالِ بِكُفْرِ آبَائِهِمْ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَمَدَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الظُّلْمَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَيْهِ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ النَّظَّامُ، وَأَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ.

الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ صِحَّةَ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَفْيِ الظُّلْمِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لَزِمَ الدَّوْرُ وَالْجَوَابُ: عن الكل المعارضة بالعلم والداعي.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١١ الى ١٣]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)

الْقِرَاءَةُ: قُرِئَ: خَاسِرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ فَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>