للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصناف ولها أشباه هي وَاقِعَةٌ تَحْتَ أَجْنَاسِ الْأَعْرَاضِ فَتَكُونُ مِنَ الْكُلُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا إِنَّهُ خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا، لَا يُقَالُ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، يُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنِ الْعُمُومِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ أَعْطَيْتُ زَيْدًا كُلَّ مَا كَانَ لِي يَكُونُ لِلْعُمُومِ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ مِنَ الثِّيَابِ لَا يَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مِنْ لِبَيَانِ التَّخْصِيصِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ فَلَا، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ أَعْطَيْتُهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعَدِّدُ الْأَصْنَافَ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى في حم: الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ [الزُّخْرُفِ: ١٢] مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمُورًا ثَلَاثَةً يَنْحَصِرُ فِيهَا الْمَخْلُوقَاتُ فَقَوْلُهُ: مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ يَدْخُلُ فِيهَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالنَّبَاتِ وَالثِّمَارِ وَقَوْلُهُ: وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ يَدْخُلُ فِيهَا الدَّلَائِلُ النَّفْسِيَّةُ وَقَوْلُهُ: وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ يدخل ما في أقطار السموات وَتُخُومِ الْأَرَضِينَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لِلتَّخْصِيصِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَنْعَامَ مِمَّا خَلَقَهَا اللَّهُ وَالْمَعَادِنَ لَمْ يَذْكُرْهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَشْيَاءَ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْعُمُومِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِثَالِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ فِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ كَوْنَ الْكُلِّ مَخْلُوقًا لِيُنَزِّهَ اللَّهَ عَنِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَصْلُحُ شَرِيكًا لِلْخَلْقِ، لَكِنَّ التَّوْحِيدَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالِاعْتِرَافِ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ تَعَالَى اعْلَمُوا أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ التَّشْرِيكِ فِيمَا تَعْلَمُونَ وَمَا لَا تَعْلَمُونَ لِأَنَّ الْخَلْقَ عَامٌّ وَالْمَانِعَ مِنَ الشَّرِكَةِ الْخَلْقُ فَلَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّا تَعْلَمُونَ فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَمِمَّا لَا تَعْلَمُونَ فَإِنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ لكون كله ممكنا. ثم قال تعالى:

[[سورة يس (٣٦) : آية ٣٧]]

وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)

لَمَّا اسْتَدَلَّ اللَّهُ بِأَحْوَالِ الْأَرْضِ وَهِيَ الْمَكَانُ الْكُلِّيُّ اسْتَدَلَّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ الزَّمَانُ الْكُلِّيُّ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ مُنَاسِبَةٌ لِأَنَّ الْمَكَانَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ الْجَوَاهِرُ وَالزَّمَانُ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ الْأَعْرَاضُ، لِأَنَّ كُلَّ عَرَضٍ فَهُوَ فِي زَمَانٍ وَمَثَلُهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ/ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [فُصِّلَتْ: ٣٧] ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [فُصِّلَتْ: ٣٩] حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ هُنَاكَ أَيْضًا، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَوَّلًا هُنَاكَ إِثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ [فُصِّلَتْ: ٣٧] ثُمَّ الْحَشْرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى [فصلت: ٣٩] وهاهنا الْمَقْصُودُ أَوَّلًا إِثْبَاتُ الْحَشْرِ لِأَنَّ السُّورَةَ فِيهَا ذِكْرُ الْحَشْرِ أَكْثَرُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي السُّورَةِ، وَهُنَاكَ ذِكْرُ التَّوْحِيدِ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى فيه: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فُصِّلَتْ: ٩] إِلَى غَيْرِهِ وَآخِرُ السُّورَتَيْنِ يُبَيِّنُ الْأَمْرَ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَكَانُ يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ شُبَهَ الْفَلَاسِفَةِ، وَالزَّمَانُ يَدْفَعُ عَنْهُمْ شُبَهَ الْمُشَبِّهَةِ.

أَمَّا بَيَانُ الْأَوَّلِ: فَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَلْسَفِيَّ يَقُولُ لَوْ كَانَ عَدَمُ الْعَالَمِ قَبْلَ وُجُودِهِ لَكَانَ عِنْدَ فَرْضِ عَدَمِ الْعَالَمِ قَبْلُ، وَقَبْلُ وَبَعْدُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالزَّمَانِ، فَقَبْلَ الْعَالَمِ زَمَانٌ وَالزَّمَانُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ فَيَلْزَمُ وُجُودُ الشيء عند عدمه وهو محال، فنقول لهم قد وافقتمونا على أن الأمكنة متناهية، لأن الأبعاد متناهية بالاتفاق، فإذن فوق السطح الأعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>