للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٤]]

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَأَحْوَالَ التَّكْلِيفِ بَيَّنَ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَجَلًا مُعَيَّنًا لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْأَجَلُ مَاتَ لَا مَحَالَةَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّخْوِيفُ لِيَتَشَدَّدَ الْمَرْءُ فِي الْقِيَامِ بِالتَّكَالِيفِ كَمَا يَنْبَغِي.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَجَلَ هُوَ الْوَقْتُ الْمُوَقَّتُ الْمَضْرُوبُ لِانْقِضَاءِ الْمُهْلَةِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمْهَلَ كُلَّ أُمَّةٍ كَذَّبَتْ رَسُولَهَا إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُهُمْ إِلَى أَنْ يَنْظُرُوا ذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي يَصِيرُونَ فِيهِ مُسْتَحِقِّينَ لِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ نَزَلَ ذَلِكَ الْعَذَابُ لَا مَحَالَةَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْأَجَلِ الْعُمُرُ فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ الْأَجَلُ وَكَمُلَ امْتَنَعَ وُقُوعُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ وَلَمْ يَقُلْ وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَجَلٌ/ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: إِنَّمَا قَالَ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ وَلَمْ يَقُلْ لِكُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّ الْأُمَّةَ هِيَ الْجَمَاعَةُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَعْلُومٌ مِنْ حَالِهَا التَّقَارُبُ فِي الْأَجَلِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأُمَّةِ فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى الْوَعِيدِ أَفْحَمُ وَأَيْضًا فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فِي نُزُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّتَنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَجَلٌ لَا يَقَعُ فِيهِ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَيَكُونُ الْمَقْتُولُ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى تَبْقِيَتِهِ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَنْقَصَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُمِيتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي خُرُوجَهُ تَعَالَى عَنْ كَوْنِهِ قَادِرًا مُخْتَارًا وَصَيْرُورَتِهِ كَالْمُوجِبِ لِذَاتِهِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُمْتَنِعٌ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْأَمْرَ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ الْمُعَيَّنِ لَا بِسَاعَةٍ وَلَا بِمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ سَاعَةٍ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ السَّاعَةَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَقَلُّ أَسْمَاءِ الْأَوْقَاتِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فَإِنَّ عِنْدَ حُضُورِ الْأَجَلِ امْتَنَعَ عَقْلًا وُقُوعُ ذَلِكَ الْأَجَلِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ.

قُلْنَا: يُحْمَلُ قَوْلُهُ: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ عَلَى قُرْبِ حُضُورِ الْأَجَلِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: جَاءَ الشِّتَاءُ إِذَا قَارَبَ وَقْتُهُ وَمَعَ مُقَارَبَةِ الْأَجَلِ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ عَلَى ذلك تارة والتأخر عنه اخرى.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]

يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>