للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْعُ الثَّانِي: مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَحَلَّ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ صَيْدِهَا وَغَيْرِ صَيْدِهَا، فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا صَيْدًا، فَإِنَّهُ حَلَالٌ فِي الْإِحْلَالِ دُونَ الْإِحْرَامِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا فَإِنَّهُ حَلَالٌ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا واللَّه أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ أَيْ مُحْرِمُونَ أَيْ دَاخِلُونَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ أَحَدِهِمَا، يُقَالُ: أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَحُرُمٌ، كَمَا يُقَالُ: أَجَنْبَ فَهُوَ مُجْنِبٌ وَجُنُبٌ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ، يُقَالُ قَوْمٌ حُرُمٌ كَمَا يُقَالُ قَوْمٌ جُنُبٌ. قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [الْمَائِدَةِ: ٦٥] .

وَاعْلَمْ أَنَّا إِذَا قُلْنَا: أَحْرَمَ الرَّجُلُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ: الْأَوَّلُ: هَذَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ دَخَلَ الْحَرَمَ فَقَوْلُهُ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يَشْتَمِلُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَيَحْرُمُ الصَّيْدُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا فَإِنَّ إِذَا لِلشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّيْءِ عُدِمَ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ إِنَّمَا هُوَ صَيْدُ الْبَرِّ لَا صَيْدُ الْبَحْرِ، قَالَ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً [الْمَائِدَةِ: ٩٦] فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيَانًا لِتِلْكَ الْآيَاتِ الْمُطْلَقَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: انْتَصَبَ غَيْرَ عَلَى الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ أُحِلَّتْ لَكُمْ كَمَا تَقُولُ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّعَامُ غَيْرَ مُعْتَدِينَ فِيهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِكِ: أُحِلَّ لَكَ الشَّيْءُ لَا مُفَرِّطًا فِيهِ وَلَا مُتَعَدِّيًا، وَالْمَعْنَى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا أَنْ تُحِلُّوا الصَّيْدَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذَلِكَ إِذَا كُنْتُمْ مُحْرِمِينَ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ الْأَنْعَامَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَأَبَاحَ الصَّيْدَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَا السَّبَبُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ وَالتَّخْصِيصِ كَانَ جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى مَالِكُ الْأَشْيَاءِ وَخَالِقُهَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى حُكْمِهِ اعْتِرَاضٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا إِنَّ عِلَّةَ حُسْنِ التَّكْلِيفِ هِيَ الرُّبُوبِيَّةُ وَالْعُبُودِيَّةُ لَا مَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ رِعَايَةِ المصالح.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٢]]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢)

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ.

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى: لَمَّا حَرَّمَ الصَّيْدَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَكَّدَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ مُخَالَفَةِ تَكَالِيفِ اللَّه تعالى فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>