للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعَلَهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ النفاق.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨١ الى ٨٩]

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)

وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ] فيه مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وُلْدٌ بضم الواو وإسكان اللام والباقون بفتحهما فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ قَرَأَ نَافِعٌ فَأَنَا بِفَتْحَةٍ طَوِيلَةٍ عَلَى النُّونِ وَالْبَاقُونَ بِلَا تَطْوِيلٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ ظَنُّوا أَنَّ قَوْلَهُ قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الشَّكِّ فِي إِثْبَاتِ وَلَدٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مُحَالٌ فَلَا جَرَمَ افْتَقَرُوا إِلَى تَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنِ الظَّاهِرِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ وَالْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ خَبَرِيَّتَيْنِ أَدْخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا حَرْفَ الشَّرْطِ وَعَلَى الْأُخْرَى حَرْفَ الْجَزَاءِ فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِهِمَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِثَالُهُ هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّ قَوْلَهُ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ قَضِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ، وَالثَّانِيَةُ:

قَوْلُهُ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ثُمَّ أَدْخَلَ حَرْفَ الشَّرْطِ وَهُوَ لَفْظَةُ إِنَّ عَلَى الْقَضِيَّةِ الْأُولَى وَحَرْفَ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْفَاءُ عَلَى الْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَحَصَلَ من مجموعهما قضية الأولى واحدة، وهو الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ لَا تُفِيدُ إِلَّا كَوْنَ الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمًا للجزاء، وليس فيه إِشْعَارٌ بِكَوْنِ الشَّرْطِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا، بَلْ نَقُولُ الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ الْحَقَّةُ قَدْ تَكُونُ مُرَكَّبَةً مِنْ قضيتين حقيتين أَوْ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ بَاطِلَتَيْنِ أَوْ مِنْ شَرْطٍ بَاطِلٍ وَجَزَاءٍ حَقٍّ أَوْ مِنْ شَرْطٍ حَقٍّ وَجَزَاءٍ بَاطِلٍ، فَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ الْحَقَّةُ مُرَكَّبَةً مِنْ شَرْطٍ حَقٍّ وَجَزَاءٍ بَاطِلٍ فَهَذَا مُحَالٌ.

وَلْنُبَيِّنْ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِذَا قُلْنَا إِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانًا فَالْإِنْسَانُ جِسْمٌ فَهَذِهِ شَرْطِيَّةٌ حَقَّةٌ وهي مركبة من قضيتين حقيتين، إِحْدَاهُمَا قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ جِسْمٌ، وَإِذَا قُلْنَا إِنْ كَانَتِ الْخَمْسَةُ زَوْجًا كَانَتْ مُنْقَسِمَةً بِمُتَسَاوِيَيْنِ فَهَذِهِ شَرْطِيَّةٌ حَقَّةٌ لَكِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَوْلِنَا الْخَمْسَةُ زَوْجٌ، وَمِنْ قَوْلِنَا الْخَمْسَةُ مُنْقَسِمَةٌ بِمُتَسَاوِيَيْنِ وَهُمَا بَاطِلَانِ، وَكَوْنُهُمَا بَاطِلَيْنِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتِلْزَامُ أَحَدِهِمَا للآخر حقا،

<<  <  ج: ص:  >  >>