للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ قَالَ: فِيهِمَا إِثْمٌ وَمَنَافِعُ، وَكَمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْدَادٌ كَثِيرَةٌ فَكَذَا الْإِثْمُ فَصَارَ التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: فِيهِمَا مَضَارٌّ كَثِيرَةٌ وَمَنَافِعُ كَثِيرَةٌ حُجَّةُ الْبَاقِينَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي تَعْظِيمِ الذَّنْبِ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْكِبَرِ لَا بِكَوْنِهِ كَثِيرًا يدل عليه قوله تعالى: كَبائِرَ الْإِثْمِ [النجم: ٣٢] ، كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النِّسَاءِ: ٣١] ، إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً [النِّسَاءِ:

٢] وَأَيْضًا الْقُرَّاءُ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِهِ: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ، وَذَلِكَ يُرَجِّحُ مَا قُلْنَاهُ.

الْحُكْمُ الرَّابِعُ فِي الإنفاق

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فأجيب عنه بذكر المصرف وأعيد هاهنا فَأُجِيبُ عَنْهُ بِذِكْرِ الْكَمِّيَّةِ، قَالَ الْقَفَّالُ: قَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِآخَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ مَذْهَبِ رَجُلٍ وَخُلُقِهِ مَا فُلَانٌ هَذَا؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ مَذْهَبِهِ كَذَا، وَمِنْ خُلُقِهِ كَذَا إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: كَانَ النَّاسُ لَمَّا رَأَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَحُضَّانِ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَيَدُلَّانِ عَلَى عَظِيمِ ثَوَابِهِ، سَأَلُوا عَنْ مِقْدَارِ مَا كُلِّفُوا بِهِ، هَلْ هُوَ كُلُّ الْمَالِ أَوْ بَعْضُهُ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الْعَفْوَ مَقْبُولٌ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَصْلُ الْعَفْوِ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ، قَالَ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ [الْأَعْرَافِ: ١٩٩] أَيِ الزِّيَادَةَ، وَقَالَ أَيْضًا: حَتَّى عَفَوْا [الْأَعْرَافِ: ٩٥] أَيْ زَادُوا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَدِ قَالَ الْقَفَّالُ: الْعَفْوُ مَا سَهُلَ وَتَيَسَّرَ مِمَّا يَكُونُ فَاضِلًا عَنِ الْكِفَايَةِ يُقَالُ: خُذْ مَا عَفَا لَكَ، أَيْ مَا تَيَسَّرَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ عَنِ الذَّنْبِ رَاجِعًا إِلَى التَّيَسُّرِ وَالتَّسْهِيلِ،

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا رُبْعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ»

مَعْنَاهُ التَّخْفِيفُ بِإِسْقَاطِ زَكَاةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، وَيُقَالُ: أَعْفَى فُلَانٌ فُلَانًا بِحَقِّهِ إِذَا أَوْصَلَهُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِلْحَاحٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى التَّخْفِيفِ وَيُقَالُ: أَعْطَاهُ كَذَا عَفْوًا صَفْوًا، إِذَا لَمْ يُكَدِّرْ عَلَيْهِ بِالْأَذَى، وَيُقَالُ: خُذْ مِنَ النَّاسِ مَا عَفَا لَكَ أَيْ مَا تَيَسَّرَ، وَمِنْهُ قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف: ١٩٩] أَيْ مَا سَهُلَ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَيُقَالُ لِلْأَرْضِ السَّهْلَةِ: الْعَفْوُ وَإِذَا كَانَ الْعَفْوُ هُوَ التَّيْسِيرُ فَالْغَالِبُ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مَؤُنَتُهُمْ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: الْعَفْوُ هُوَ الزِّيَادَةُ رَاجِعٌ إِلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَجُمْلَةُ التَّأْوِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَدَّبِ النَّاسَ فِي الْإِنْفَاقِ فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ [الْإِسْرَاءِ:

٢٦، ٢٧] وَقَالَ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [الْإِسْرَاءِ: ٢٩] وَقَالَ: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الْفُرْقَانِ: ٦٧]

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ عِنْدَ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ وَهَكَذَا وَهَكَذَا»

وَقَالَ/ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى وَلَا يُلَامُ عَلَى كَفَافٍ»

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: يا رسول الله خذها صدقة فو الله لَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَالَ: هَاتِهَا مُغْضَبًا فَأَخَذَهَا مِنْهُ، ثُمَّ حَذَفَهُ بِهَا حَيْثُ لَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ، ثُمَّ قَالَ: يَأْتِينِي أَحَدُكُمْ بِمَالِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَجْلِسُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى خُذْهَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا،

وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ