وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّطَهُّرُ بِالْمَاءِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التَّوْبَةِ: ١٠٨] فَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إِنَّهُمْ كانوا يستنجون بالماء فأثنى الله عليهم.
[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٣]]
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)
[الحكم الثامن]
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي سَبَبِ النُّزُولِ وُجُوهًا أَحَدُهَا:
رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ مُخَبَّلًا، وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَذَبَتِ الْيَهُودُ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَثَانِيهَا:
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، وَحَكَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ
وَثَالِثُهَا: كَانَتِ الْأَنْصَارُ تُنْكِرُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، وَكَانُوا أَخَذُوا ذَلِكَ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَأَنْكَرَتِ الْأَنْصَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَرْثٌ لَكُمْ أَيْ مَزْرَعٌ وَمَنْبَتٌ لِلْوَلَدِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ، فَفَرْجُ الْمَرْأَةِ كَالْأَرْضِ، وَالنُّطْفَةُ كَالْبَذْرِ، وَالْوَلَدُ كَالنَّبَاتِ الْخَارِجِ، وَالْحَرْثُ مَصْدَرٌ، وَلِهَذَا وَحَّدَ الْحَرْثَ فَكَانَ الْمَعْنَى نِسَاؤُكُمْ ذَوَاتُ حَرْثٍ لَكُمْ فِيهِنَّ تَحْرُثُونَ لِلْوَلَدِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَيْضًا قَدْ يُسَمَّى مَوْضِعُ الشَّيْءِ بِاسْمِ الشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ:
فإنما هي إقبالي وَإِدْبَارُ وَيُقَالُ: هَذَا أَمْرُ اللَّهِ، أَيْ مَأْمُورُهُ، وَهَذَا شَهْوَةُ فُلَانٍ، أَيْ مُشْتَهَاهُ، فَكَذَلِكَ حَرْثُ الرَّجُلِ مَحْرَثُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الرَّجُلَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَهَا مِنْ قُبُلِهَا فِي قُبُلِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَأْتِيَهَا مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، فَقَوْلُهُ: أَنَّى شِئْتُمْ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَنَقَلَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ تَجْوِيزُ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، وَسَائِرُ النَّاسِ كَذَّبُوا نَافِعًا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاخْتِيَارُ السَّيِّدِ الْمُرْتَضَى مِنَ الشِّيعَةِ، وَالْمُرْتَضَى رَوَاهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ مِنْ وُجُوهٍ:
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةِ الْمَحِيضِ: قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:
٢٢٢] جَعَلَ قِيَامَ الْأَذَى عِلَّةً لِحُرْمَةِ إِتْيَانِ مَوْضِعِ الْأَذَى، وَلَا مَعْنَى لِلْأَذَى إِلَّا مَا يَتَأَذَّى الإنسان منه وهاهنا يَتَأَذَّى الْإِنْسَانُ بِنَتَنِ رَوَائِحِ ذَلِكَ الدَّمِ وَحُصُولُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَظْهَرُ فَإِذَا كانت تلك العلة قائمة هاهنا وَجَبَ حُصُولُ الْحُرْمَةِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة: ٢٢٢] وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يُفِيدُ وُجُوبَ إِتْيَانِهِنَّ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ