للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كعب: ما أعظم آية في كتاب الله تَعَالَى؟ فَقَالَ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] فَقَالَ: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» وَعِنْدِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَّ هُوَ الدَّرَّاكُ الْفَعَّالُ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ كَثْرَةُ عَظَمَةٍ لِأَنَّهُ صِفَةٌ، وَأَمَّا الْقَيُّومُ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْقِيَامِ، وَمَعْنَاهُ كَوْنُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ مُقَوِّمًا لِغَيْرِهِ، فَكَوْنُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ مَفْهُومٌ سَلْبِيٌّ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَوْنُهُ مُقَوِّمًا لِغَيْرِهِ صِفَةٌ إِضَافِيَّةٌ فَالْقَيُّومُ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى مَجْمُوعِ سَلْبٍ وَإِضَافَةٍ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: أَسْمَاءُ اللَّهِ كُلُّهَا عَظِيمَةٌ مُقَدَّسَةٌ، وَلَا يَجُوزُ وَصْفُ الْوَاحِدِ مِنْهَا بِأَنَّهُ أَعْظَمُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وَصْفَ مَا عَدَاهُ بِالنُّقْصَانِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَسْمَاءَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى الْأَقْسَامِ التِّسْعَةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الِاسْمَ الدَّالَّ عَلَى الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ الْأَسْمَاءِ وَأَعْظَمَهَا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بِالدَّلَائِلِ فَلَا سَبِيلَ فِيهِ إِلَى الْإِنْكَارِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ هُوَ قَوْلُنَا: «اللَّهُ» وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي لِأَنَّا سَنُقِيمُ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَجْرِي مَجْرَى اسْمِ الْعَلَمِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ دَالًّا عَلَى ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَمَّا الِاسْمُ الدَّالُّ عَلَى الْمُسَمَّى بِحَسَبِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ الْمُسَمَّى فَهَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَتْ مَاهِيَّتُهُ مُرَكَّبَةً مِنَ الْأَجْزَاءِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ مُحَالٌ، لِأَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى جُزْئِهِ، وَجُزْؤُهُ غَيْرُهُ فَكُلُّ مُرَكَّبٍ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَكُلُّ مُحْتَاجٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مُمْكِنٌ، يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، فَمَا لَا/ يَكُونُ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا، وَمَا لَا يَكُونُ مُرَكَّبًا امْتَنَعَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ اسْمٌ بِحَسَبِ جُزْءِ مَاهِيَّتِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: اعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْمَ الدَّالَّ عَلَى الذَّاتِ هَلْ هُوَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا، قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ، وَأَمَّا الِاسْمُ الدَّالُّ بِحَسَبِ جُزْءِ الْمَاهِيَّةِ فَقَدْ أَقَمْنَا الْبُرْهَانَ الْقَاطِعَ عَلَى امْتِنَاعِ حُصُولِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَقِيَتِ الْأَقْسَامُ السَّبْعَةُ فَنَقُولُ: أَمَّا الِاسْمُ الدَّالُّ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ فَتِلْكَ الصِّفَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ الْوُجُودَ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ كَيْفِيَّةً مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْوُجُودِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ صِفَةً أُخْرَى مُغَايِرَةً لِلْوُجُودِ وَلِكَيْفِيَّاتِ ذَلِكَ الْوُجُودِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمَسَائِلَ الْمُفَرَّعَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَاللَّهُ الْهَادِي.

الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْبَحْثِ عَنِ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ

قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: الْأَسْمَاءُ الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُودِ وفيه مسائل: - تسمية الله بالشيء:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَطْبَقَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِاسْمِ الشَّيْءِ وَنُقِلَ عَنْ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، أَمَّا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَوُجُوهٌ: - الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ [الْأَنْعَامِ: ١٩] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ