للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْعَجَبُ هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ سَبَبُهُ وَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، فَكَانَ الْمُرَادُ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ عِنْدَكَ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَرَأَ بَعْضُهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِإِضَافَةِ الْعَجَبِ إِلَى نَفْسِهِ تَعَالَى فَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ مَبَادِئِ الْأَعْرَاضِ، وَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى نِهَايَاتِ الْأَعْرَاضِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَعَجَّبَ مِنَ الشَّيْءِ أَنْكَرَهُ فَكَانَ هَذَا مَحْمُولًا عَلَى الْإِنْكَارِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ في قوله: أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وَأَمْثَالُهُ إِذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامَيْنِ فِي الْحَرْفَيْنِ وَهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَابْنُ كَثِيرٍ يَسْتَفْهِمُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمُدُّ، وَأَبُو عَمْرٍو يَسْتَفْهِمُ بِهَمْزَةٍ مُطَوَّلَةٍ يَمُدُّ فِيهَا وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ بِهَمْزَتَيْنِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ يَسْتَفْهِمُ فِي الْأَوَّلِ وَيَقْرَأُ عَلَى الْخَبَرِ فِي الثَّانِي وَابْنُ عَامِرٍ عَلَى الْخَبَرِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَنَافِعٌ بِهَمْزَةٍ غَيْرِ مُطَوَّلَةٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِهَمْزَتَيْنِ أَمَّا نَافِعٌ فَكَذَلِكَ إِلَّا فِي الصَّافَّاتِ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَامِرٍ إِلَّا فِي الْوَاقِعَةِ، وَكَذَلِكَ الْكِسَائِيُّ إِلَّا فِي الْعَنْكَبُوتِ وَالصَّافَّاتِ.

المسألة الرابعة: قال الزجاج: العامل في أَإِذا كُنَّا تُراباً محذوف تقديره: أإذا كُنَّا تُرَابًا نُبْعَثُ وَدَلَّ مَا بَعْدَهُ عَلَى المحذوف.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٦]]

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦)

اعْلَمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُهَدِّدُهُمْ تَارَةً بِعَذَابِ الْقِيَامَةِ وَتَارَةً بِعَذَابِ الدُّنْيَا، وَالْقَوْمُ كُلَّمَا هَدَّدَهُمْ بِعَذَابِ الْقِيَامَةِ أَنْكَرُوا الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ وَالْحَشْرَ وَالنَّشْرَ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَكُلَّمَا هَدَّدَهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا قَالُوا لَهُ: فَجِئْنَا بِهَذَا الْعَذَابِ وَطَلَبُوا مِنْهُ إِظْهَارَهُ وَإِنْزَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الطَّعْنِ فِيهِ، وَإِظْهَارِ أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ كَلَامٌ لَا أَصْلَ لَهُ فَلِهَذَا السَّبَبِ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَسْتَعْجِلُونَ الرَّسُولَ/ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّئَةِ هَاهُنَا نُزُولُ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً [الْأَنْفَالِ: ٣٢] وَفِي قَوْلِهِ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [الْإِسْرَاءِ: ٩٠- ٩٢] وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ طَعْنًا مِنْهُمْ فِيمَا ذَكَرَهُ الرَّسُولُ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعِدُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَبِحُصُولِ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ فِي الدُّنْيَا فَالْقَوْمُ طَلَبُوا مِنْهُ نُزُولَ الْعَذَابِ وَلَمْ يَطْلُبُوا مِنْهُ حُصُولَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ الْحَسَنَةَ هَاهُنَا بِالْإِمْهَالِ وَالتَّأْخِيرِ وَإِنَّمَا سَمَّوُا الْعَذَابَ سَيِّئَةً لِأَنَّهُ يَسُوءُهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ.

أما قوله: وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ يقولون: العقوبة مثلة ومثلة صَدُقَةٍ وَصَدْقَةٍ، فَالْأُولَى لُغَةُ الْحِجَازِ، وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ تَمِيمٍ، فَمَنْ قَالَ مَثُلَةٌ فَجَمْعُهُ مَثُلَاتٌ، وَمَنْ قال مثلة فجمعه مثلات ومثلات بإسكان التاء هَكَذَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُثْلَةُ الْعُقُوبَةُ الْمُبَيِّنَةُ فِي الْمُعَاقَبِ شَيْئًا، وَهُوَ تَغْيِيرٌ تَبْقَى الصُّورَةُ مَعَهُ قَبِيحَةً، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ، مَثَّلَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ إِذَا قَبَّحَ صُورَتَهُ إِمَّا بِقَطْعِ أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ أو

<<  <  ج: ص:  >  >>