للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَانِبِ الْعَدَمِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي «الْكُتُبِ الْعَقْلِيَّةِ» عَلَى أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الرُّجْحَانُ فَقَدْ حَصَلَ الْوُجُوبُ وَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ إِلَّا الدَّاعِيَةُ الْمُوجِبَةُ وَهُوَ عَيْنُ قَوْلِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

المسألة السَّادِسَةُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا إِلَّا مِنْ تَعْلِيمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِمَامِ، احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَحْصُلُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّعْلِيمِ.

وَجَوَابُنَا: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ كَالْمُنَبِّهِ، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَهِيَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالدَّلِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

المسألة السَّابِعَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ طُرُقَ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ كَثِيرَةٌ وَأَنَّ طَرِيقَ الْخَيْرِ لَيْسَ إِلَّا الْوَاحِدَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ فَعَبَّرَ عَنِ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ بِالظُّلُمَاتِ وَهِيَ صِيغَةُ جَمْعٍ وَعَبَّرَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْهِدَايَةِ بِالنُّورِ وَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طُرُقَ الْجَهْلِ كَثِيرَةٌ، وَأَمَّا طَرِيقُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَلَيْسَ إِلَّا الْوَاحِدَ.

المسألة الثَّامِنَةُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ/ إِلَى النُّورِ بِتَكْرِيرِ الْعَامِلِ كَقَوْلِهِ: لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ [الْأَعْرَافِ: ٧٥] الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِلَى أَيِّ نُورٍ فَقِيلَ: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

المسألة التَّاسِعَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْفَاعِلُ إِنَّمَا يَكُونُ آتِيًا بِالصَّوَابِ وَالصَّلَاحِ، تَارِكًا لِلْقَبِيحِ وَالْعَبَثِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ غَنِيًّا عَنْ كُلِّ الْحَاجَاتِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْكُلِّ فَرُبَّمَا فَعَلَ الْقَبِيحَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ فَرُبَّمَا فَعَلَ الْقَبِيحَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا عَنْ كُلِّ الْحَاجَاتِ فَرُبَّمَا فَعَلَ الْقَبِيحَ بِسَبَبِ الْحَاجَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ قادرا على الكل عالما الكل غَنِيًّا عَنِ الْكُلِّ امْتَنَعَ مِنْهُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلِ الْقَبِيحِ، فَقَوْلُهُ: الْعَزِيزِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَقَوْلُهُ: الْحَمِيدِ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْكُلِّ غَنِيًّا عَنِ الْكُلِّ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صِرَاطَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ شَرِيفًا رَفِيعًا عَالِيًا لِكَوْنِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا لِلْإِلَهِ الْمَوْصُوفِ بِكَوْنِهِ عَزِيزًا حَمِيدًا، فَلِهَذَا الْمَعْنَى: وَصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.

المسألة الْعَاشِرَةُ: إِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَزِيزِ عَلَى ذِكْرِ الْحَمِيدِ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ أَوَّلَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنِ الْحَاجَاتِ، وَالْعَزِيزُ هُوَ الْقَادِرُ وَالْحَمِيدُ هُوَ الْعَالِمُ الْغَنِيُّ، فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِالْكُلِّ غَنِيًّا عَنِ الْكُلِّ لَا جَرَمَ قَدَّمَ اللَّهُ ذِكْرَ العزيز على ذكر الحميد والله أعلم.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢ الى ٣]

اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>