فِرْقَةٌ وَالْخَارِجُ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ، وَالِاحْتِيَاطُ يُوجِبُ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، قَالُوا الطَّائِفَةُ هِيَ الْفِرْقَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُكَوِّنَ حَلَقَةً، كَأَنَّهَا الْجَمَاعَةُ الْحَافَّةُ حَوْلَ الشَّيْءِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ أَقَلُّ مَا لَا بُدَّ فِي حُصُولِهَا هُوَ الثَّلَاثَةُ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ أَرْبَعَةٌ بِعَدَدِ شُهُودِ الزِّنَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ عَشَرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ هِيَ الْعَدَدُ الْكَامِلُ.
المسألة الثَّالِثَةُ: تَسْمِيَتُهُ عَذَابًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُعَاوَدَةَ كَمَا سُمِّيَ نَكَالًا لِذَلِكَ، وَنَبَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا بِهَذَا الْوَصْفِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا كَذَلِكَ عَظُمَ مَوْقِعُ حُضُورِهِمْ فِي الزَّجْرِ وَعَظُمَ مَوْقِعُ إِخْبَارِهِمْ عَمَّا شَاهَدُوا فَيَخَافُ الْمَجْلُودُ مِنْ حُضُورِهِمُ الشُّهْرَةَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الِانْزِجَارِ. واللَّه أعلم.
[[سورة النور (٢٤) : آية ٣]]
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)
[الحكم الثاني]
قُرِئَ لَا يَنْكِحْ بِالْجَزْمِ عَنِ النَّهْيِ، وَقُرِئَ وَحَرَّمَ بِفَتْحِ الْحَاءِ ثُمَّ إِنَّ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٍ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ظَاهِرُهُ خَبَرٌ، ثُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ هَذَا الظَّاهِرُ، لِأَنَّا نَرَى أَنَّ الزَّانِيَ قَدْ يَنْكِحُ الْمُؤْمِنَةَ الْعَفِيفَةَ وَالزَّانِيَةَ قَدْ يَنْكِحُهَا الْمُؤْمِنُ الْعَفِيفُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَحِلُّ لَهُ/ التَّزَوُّجُ بِالْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ وَالْجَوَابُ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ لِأَجْلِ هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ ذَكَرُوا وُجُوهًا: أَحَدُهَا: وَهُوَ أَحْسَنُهَا، مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ: وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَاسِقَ الْخَبِيثَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الزِّنَا وَالْفِسْقُ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِ الصَّوَالِحِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِي فَاسِقَةٍ خَبِيثَةٍ مِثْلِهِ أَوْ فِي مُشْرِكَةٍ، وَالْفَاسِقَةُ الْخَبِيثَةُ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا الصُّلَحَاءُ مِنَ الرِّجَالِ وَيَنْفِرُونَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهَا مِنَ الْفَسَقَةِ وَالْمُشْرِكِينَ، فَهَذَا عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ كَمَا يُقَالُ لَا يَفْعَلُ الْخَيْرَ إِلَّا الرَّجُلُ التَّقِيُّ، وَقَدْ يَفْعَلُ بَعْضَ الْخَيْرِ مَنْ لَيْسَ بِتَقِيٍّ فَكَذَا هَاهُنَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ نِكَاحَ الْمُؤْمِنِ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ اللَّه الزَّانِيَةَ وَرَغْبَتَهُ فِيهَا، وَانْخِرَاطَهُ بِذَلِكَ فِي سِلْكِ الْفَسَقَةِ الْمُتَّسِمِينَ بِالزِّنَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْفُسَّاقِ وَحُضُورِ مَوَاضِعِ التُّهْمَةِ، وَالتَّسَبُّبِ لِسُوءِ الْمَقَالَةِ فِيهِ وَالْغِيبَةِ. وَمُجَالَسَةُ الْخَاطِئِينَ كَمْ فِيهَا مِنَ التَّعَرُّضِ لِاقْتِرَافِ الْآثَامِ، فَكَيْفَ بِمُزَاوَجَةِ الزَّوَانِي وَالْفُجَّارِ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ صَرْفَ الرَّغْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى الزَّوَانِي وَتَرْكَ الرَّغْبَةِ فِي الصَّالِحَاتِ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَرْغَبُ إِلَّا فِي الزَّانِيَةِ فَهَذَا الْحَصْرُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ هَذَا الْحَصْرِ حُرْمَةُ التَّزَوُّجِ بِالزَّانِيَةِ، فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: الوجه الثَّانِي: أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ: الزَّانِي وَفِي قَوْلِهِ: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ لِلْعُمُومِ ظَاهِرًا لَكِنَّهُ هَاهُنَا مَخْصُوصٌ بِالْأَقْوَامِ الَّذِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ،
قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةُ، قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ وَفِيهِمْ فُقَرَاءُ لَيْسَ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَلَا عَشَائِرُ، وَبِالْمَدِينَةِ نِسَاءٌ بَغَايَا يَكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute