عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تُبَيِّنُ لِلنَّاسِ كَمَا قَالَ: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشُّعَرَاءِ: ١٩٥] أَوْ تَكُونُ مِنْ بَيَّنَ بِمَعْنَى تَبَيَّنَ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: قَدْ بَيَّنَ «١» الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا:
أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ بِالْمَثَلِ مَا ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فَأَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: وَمَثَلًا أَيْ شَبَهًا مِنْ حَالِهِمْ بِحَالِكُمْ فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، يَعْنِي بَيَّنَّا لَكُمْ مَا أَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ لِتَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللَّه تَعَالَى، فَجَعَلْنَا ذَلِكَ مَثَلًا لَكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِذَا شَارَكْتُمُوهُمْ فِي الْمَعْصِيَةِ كُنْتُمْ مِثْلَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَعِيدُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ فِعْلِ الْمَعَاصِي وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ مَوْعِظَةٌ لِلْكُلِّ، لَكِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذكرناها في قوله: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وهاهنا آخر الكلام في الأحكام.
[[سورة النور (٢٤) : آية ٣٥]]
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)
الْقَوْلُ فِي الْإِلَهِيَّاتِ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَثَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي بَيَانِ أَنَّ دَلَائِلَ الْإِيمَانِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ الثَّانِي: فِي بَيَانِ أَنَّ أديان الكفرة في نهاية الظلمة والخفاء.
أَمَّا الْمَثَلُ الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُرَتَّبٌ عَلَى فُصُولٍ:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ النُّورِ عَلَى اللَّه تَعَالَى
اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ النُّورِ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْفَائِضَةِ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّارِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْجُدْرَانِ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ إِلَهًا لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ إِنْ كَانَتْ عِبَارَةً عَنِ الْجِسْمِ كَانَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حُدُوثِ الْجِسْمِ دَالًّا عَلَى حُدُوثِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عرضا فمتى ثَبَتَ حُدُوثُ جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ بِهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ إِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحُلُولَ عَلَى اللَّه تَعَالَى مُحَالٌ وَثَانِيهَا: أَنَّا سَوَاءٌ قُلْنَا النُّورُ جِسْمٌ أَوْ أَمْرٌ حَالٌّ فِي الْجِسْمِ فَهُوَ مُنْقَسِمٌ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ جِسْمًا فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مُنْقَسِمٌ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا فِيهِ، فَالْحَالُّ فِي الْمُنْقَسِمِ مُنْقَسِمٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالنُّورُ مُنْقَسِمٌ وَكُلُّ مُنْقَسِمٍ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي تَحَقُّقِهِ إِلَى تَحَقُّقِ أَجْزَائِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ غَيْرُهُ، وَكُلُّ مُفْتَقِرٍ فَهُوَ فِي تَحَقُّقِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى الْغَيْرِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ مُحْدَثٌ بِغَيْرِهِ، فَالنُّورُ مُحْدَثٌ فَلَا يَكُونُ إِلَهًا وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذَا النُّورَ الْمَحْسُوسَ لَوْ كَانَ هُوَ اللَّه لَوَجَبَ أَنْ لَا يَزُولَ هَذَا النُّورُ لِامْتِنَاعِ الزَّوَالِ عَلَى اللَّه تَعَالَى وَرَابِعُهَا: أَنَّ هَذَا النُّورَ الْمَحْسُوسَ يَقَعُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ. وَذَلِكَ
(١) يروي المثل: قد وضح الصبح لذي عينين. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute