للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٤٠ الى ٤١]

وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١)

أَيْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَيُكْشَفُ لَهُ مِنْ أَرَيْتُهُ الشَّيْءَ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يُرِيهِ أَعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ لِيَفْرَحَ بِهَا، أَوْ يَكُونُ يُرِي مَلَائِكَتَهُ وَسَائِرَ خَلْقِهِ لِيَفْتَخِرَ الْعَامِلُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْكُورٌ لِفَرَحِ الْمُسْلِمِ وَلِحُزْنِ الْكَافِرِ، فَإِنَّ سَعْيَهُ يُرَى لِلْخَلْقِ، وَيُرَى لِنَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مِنْ رَأَى يَرَى فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَةِ: ١٠٥] وَفِيهَا وَفِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا مَسَائِلُ:

الْأُولَى: الْعَمَلُ كَيْفَ يُرَى بَعْدَ وُجُودِهِ وَمُضِيِّهِ؟ نَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَرَاهُ عَلَى صُورَةٍ جَمِيلَةٍ إِنْ كَانَ الْعَمَلُ صَالِحًا ثَانِيهِمَا: هُوَ عَلَى مَذْهَبِنَا غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يُرَى، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ كُلِّ مَعْدُومٍ فَبَعْدَ الْفِعْلِ يُرَى «١» وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ عَنِ الثَّوَابِ يُقَالُ: سَتَرَى إِحْسَانَكَ عِنْدَ الْمَلِكِ أَيْ جَزَاءَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا قَالَ بَعْدَهُ: ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْهَاءُ ضَمِيرُ السَّعْيِ أَيْ ثُمَّ يُجْزَى الْإِنْسَانُ سَعْيَهُ بِالْجَزَاءِ، وَالْجَزَاءُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ قَالَ تَعَالَى: وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الْإِنْسَانِ: ١٢] وَيُقَالُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، وَيَتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ بِحَرْفٍ يُقَالُ: جَزَاهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلِهِ الْخَيْرَ الْجَنَّةَ، وَيُحْذَفُ الْجَارُّ وَيُوصَلُ الْفِعْلُ فَيُقَالُ: جَزَاهُ اللَّهُ عَمَلَهُ الْخَيْرَ الْجَنَّةَ، هَذَا وَجْهٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْجَزَاءِ، وَتَقْدِيرُهُ ثُمَّ يُجْزَى جَزَاءً وَيَكُونُ قَوْلُهُ: الْجَزاءَ الْأَوْفى تَفْسِيرًا أَوْ بَدَلًا مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الْأَنْبِيَاءِ: ٣] فَإِنَّ التَّقْدِيرَ وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَسَرُّوا النَّجْوَى، الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَالْجَزَاءُ الْأَوْفَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الصَّالِحِ، وَإِنْ قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً [الْإِسْرَاءِ: ٦٣] وَعَلَى مَا قِيلَ: يُجَابُ أَنَّ الْأَوْفَى بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَإِنَّ جَهَنَّمَ ضَرَرُهَا أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مَعَ نَفْعِ الْآثَامِ فَهِيَ فِي نَفْسِهَا أَوْفَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: (ثُمَّ) لِتَرَاخِي الْجَزَاءِ أَوْ لِتَرَاخِي الْكَلَامِ أَيْ ثُمَّ نَقُولُ يُجْزَاهُ فَإِنْ كَانَ لِتَرَاخِي الْجَزَاءِ فَكَيْفَ يُؤَخَّرُ الْجَزَاءُ عَنِ الصَّالِحِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الصَّالِحُ؟ نَقُولُ: الْوَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ وَجَوَابُ السُّؤَالِ هُوَ أَنَّ الْوَصْفَ بِالْأَوْفَى يَدْفَعُ مَا ذَكَرْتَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَوَّلِ زَمَانٍ يَمُوتُ الصَّالِحُ يَجْزِيهِ جَزَاءً عَلَى خَيْرِهِ وَيُؤَخِّرُ لَهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، وَهِيَ الْجَنَّةُ أَوْ نَقُولُ الْأَوْفَى إِشَارَةٌ إِلَى الزِّيَادَةِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى [يُونُسَ: ٢٦] وَهِيَ الْجَنَّةُ: وَزِيادَةٌ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ فَكَأَنَّهُ/ تَعَالَى قَالَ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُرْزَقُ الرُّؤْيَةَ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَلِيقُ بِتَفْسِيرِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْأَوْفَى مُطْلَقٌ غَيْرُ مُبَيَّنٍ فَلَمْ يَقُلْ: أَوْفَى مِنْ كَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْفَى مِنْ كُلِّ وَافٍ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِ غَيْرُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي بَيَانِ لَطَائِفَ فِي الْآيَاتِ الْأُولَى: قَالَ فِي حَقِّ الْمُسِيءِ: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى


(١) ثبت علميا أن أعمال الإنسان وغيره مثبتة كما هي على لوحات الأثير كالصورة الفوتوغرافية تماما وكذلك الأصوات فإنها تسجل في الموجات الأثيرية غير أنها تبتعد عنا بتقدم الزمان وقد استطاع العلماء سماع تلك الأصوات بمكبرات صوتية والراديو والتليفزيون أمثلة مصغرة لذلك وهذا من أدلة القدرة الباهرة ومن الأدلة على البعث والحساب، فمحال أن يكون حفظها عبثا.

<<  <  ج: ص:  >  >>