للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَصِيبًا وَلِشُرَكَائِهِمْ نَصِيبًا وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ تَفْصِيلُهُ الْقِسْمَيْنِ فِيمَا بَعْدُ وَهُوَ قَوْلُهُ: هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا وَجَعَلَ الْأَوْثَانَ شُرَكَاءَهُمْ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا نَصِيبًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ يُنْفِقُونَهَا عَلَيْهَا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ نَصِيبًا وَلِلْأَوْثَانِ نَصِيبًا فَمَا كَانَ لِلصَّنَمِ أَنْفَقُوهُ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ أَطْعَمُوهُ الصِّبْيَانَ وَالْمَسَاكِينَ وَلَا يَأْكُلُونَ مِنْهُ الْبَتَّةَ. ثُمَّ إِنْ سَقَطَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ فِي نَصِيبِ الْأَوْثَانِ تَرَكُوهُ وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ هَذَا وَإِنْ سَقَطَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلْأَوْثَانِ فِي نَصِيبِ اللَّهِ أَخَذُوهُ وَرَدُّوهُ إِلَى نَصِيبِ الصَّنَمِ وَقَالُوا: إِنَّهُ فقيره الثَّانِي: قَالَ الْحَسَنُ وَالسَّدِّيُّ: كَانَ إِذَا هَلَكَ مَا لِأَوْثَانِهِمْ أَخَذُوا بَدَلَهُ مِمَّا لِلَّهِ وَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الثَّالِثُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا انْفَجَرَ مِنْ سَقْيِ مَا جَعَلُوهُ لِلشَّيْطَانِ فِي نَصِيبِ اللَّهِ سَدُّوهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ تَرَكُوهُ. الرَّابِعُ: قَالَ قَتَادَةُ: إِذَا أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ اسْتَعَانُوا بِمَا لِلَّهِ وَوَفَّرُوا مَا جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ. الْخَامِسُ: قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنْ زَكَا وَنَمَا نَصِيبُ/ الْآلِهَةِ وَلَمْ يَزْكُ نَصِيبُ اللَّهِ تَرَكُوا نَصِيبَ الْآلِهَةِ لَهَا وَقَالُوا لَوْ شَاءَ زَكَّى نَصِيبَ نَفْسِهِ وَإِنْ زَكَا نَصِيبُ اللَّهِ وَلَمْ يَزْكُ نَصِيبُ الْآلِهَةِ قَالُوا لَا بُدَّ لِآلِهَتِنَا مِنْ نَفَقَةٍ فَأَخَذُوا نَصِيبَ اللَّهِ فَأَعْطَوْهُ السَّدَنَةَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ يَعْنِي مِنْ نَمَاءِ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ: فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ يَعْنِي الْمَسَاكِينَ وَإِنَّمَا قَالَ: إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْرِزُونَهُ لِلَّهِ وَيُسَمُّونَهُ نَصِيبَ اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَيْهِمْ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ هَذَا الْفِعْلَ: فَقَالَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الْإِسَاءَةِ وُجُوهًا كَثِيرَةً: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ رَجَّحُوا جَانِبَ الْأَصْنَامِ فِي الرِّعَايَةِ وَالْحِفْظِ عَلَى جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ سَفَهٌ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ جَعَلُوا بَعْضَ النَّصِيبِ لِلَّهِ وَجَعَلُوا بَعْضَهُ لِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى الْخَالِقُ لِلْجَمِيعِ وَهَذَا أَيْضًا سَفَهٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ حُكْمٌ أَحْدَثُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَشْهَدْ بِصِحَّتِهِ عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ فَكَانَ أَيْضًا سَفَهًا. الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ حَسُنَ إِفْرَازُ نَصِيبِ الْأَصْنَامِ لَحَسُنَ إِفْرَازُ النَّصِيبِ لِكُلِّ حَجَرٍ وَمَدَرٍ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْأَصْنَامِ فِي حُصُولِ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ وَلَا قُدْرَةَ لَهَا أَيْضًا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ النَّصِيبِ فَكَانَ إِفْرَازُ النَّصِيبِ لَهَا عبثا فثبت بهذا الْوُجُوهِ أَنَّهُ: ساءَ مَا يَحْكُمُونَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ حِكَايَةِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَعْرِفَ النَّاسُ قِلَّةَ عُقُولِ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَأَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَحْقِيرِهِمْ فِي أَعْيُنِ الْعُقَلَاءِ وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى كَلَامِهِمْ أَحَدٌ الْبَتَّةَ.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٧]]

وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧)

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَمَذَاهِبِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَقَوْلُهُ:

وَكَذلِكَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ [الانعام: ١٣٦] أَيْ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ قَتْلَ الْأَوْلَادِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ جَعْلَهُمْ لِلَّهِ نَصِيبًا وَلِلشُّرَكَاءِ نَصِيبًا نِهَايَةٌ فِي الْجَهْلِ بِمَعْرِفَةِ الْخَالِقِ الْمُنْعِمِ وَإِقْدَامَهِمْ عَلَى قَتْلِ أَوْلَادِ أَنْفُسِهِمْ نِهَايَةٌ فِي الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ وَذَلِكَ يُفِيدُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ هَؤُلَاءِ وَأَحْوَالَهُمْ يُشَاكِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الرَّكَاكَةِ وَالْخَسَاسَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>