للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَبَ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ أَفْضَلَ مِنْ مِيكَائِيلَ، وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ جِبْرِيلَ: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التَّكْوِيرِ: ٢١] ذَكَرَهُ بِوَصْفِ الْمُطَاعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُطَاعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ميكائيل فوجب أن يكون أفضل منه.

[أما قوله تعالى وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فيه مسائل] المسألة الأولى: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَفَصٌ عَنْ عَاصِمٍ مِيكَالَ بِوَزْنِ قِنْطَارٍ، وَنَافِعٌ مِيكَائِلَ مُخْتَلَسَةً لَيْسَ بَعْدَ الْهَمْزَةِ يَاءٌ عَلَى وَزْنِ مِيكَاعِلَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِيكَائِيلَ عَلَى وَزْنِ مِيكَاعِيلَ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى ميكئيل على وزن ميكعيل، وَمِيكَئِيلُ كَمِيكَعِيلَ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْعَرَبُ إِذَا نطقت بالأعجمي خلطت فيه.

المسألة الثانية: الْوَاوُ فِي جِبْرِيلَ وَمِيكَالَ، قِيلَ: وَاوُ الْعَطْفِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى أَوْ يَعْنِي مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِجَمِيعِ الكافرين.

المسألة الثالثة: عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ أَرَادَ عَدُوٌّ لَهُمْ إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ بِالظَّاهِرِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَادَاهُمْ لِكُفْرِهِمْ وَأَنَّ عَدَاوَةَ الْمَلَائِكَةِ كُفْرٌ.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٩٩]]

وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩)

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ قَبَائِحِهِمْ وَفَضَائِحِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ فَلَمَّا بُعِثَ مِنَ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ: فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَسْلِمُوا فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أَهْلُ الشِّرْكِ وَتُخْبِرُونَنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ وَتَصِفُونَ لَنَا صِفَتَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَمَا هُوَ بِالَّذِي كُنَّا نَذْكُرُ لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية وهاهنا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الآيات البينات الْقُرْآنِ الَّذِي لَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الْقُرْآنَ مَعَ سَائِرِ الدَّلَائِلِ نَحْوَ امْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْمُبَاهَلَةِ وَمِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَسَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ نَحْوَ إِشْبَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ وَنُبُوعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ. قَالَ الْقَاضِي: الْأَوْلَى تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّ الْآيَاتِ إِذَا قُرِنَتْ إِلَى التَّنْزِيلِ كَانَتْ أَخَصَّ بِالْقُرْآنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْوَجْهُ فِي تَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ بِالْآيَاتِ وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: أَنَّ الْآيَةَ هِيَ الدَّالَّةُ وَإِذَا كَانَتْ أَبْعَاضُ الْقُرْآنِ دَالَّةً بِفَصَاحَتِهَا عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي كَانَتْ آيَاتٍ، وَثَانِيهَا: أَنَّ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْغُيُوبِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالشَّرَائِعِ فَهِيَ آيَاتٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَإِنْ قِيلَ: الدَّلِيلُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَيِّنًا فَمَا مَعْنَى وَصْفِ الْآيَاتِ بِكَوْنِهَا بَيِّنَةً، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ الْمُرَادُ كَوْنُ بَعْضِهَا أَبْيَنَ مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ أَمْكَنَ فِي الْعُلُومِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَذَلِكَ لَأَنَّ الْعَالِمَ بِالشَّيْءِ إِمَّا أَنْ يَحْصُلَ مَعَهُ تَجْوِيزُ نَقِيضِ مَا اعْتَقَدَهُ أَوْ لَا يَحْصُلَ، فَإِنْ حَصَلَ مَعَهُ ذَلِكَ التَّجْوِيزُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ عِلْمًا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ آخَرُ آكَدَ مِنْهُ. قُلْنَا: التَّفَاوُتُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْعِلْمِ بَلْ فِي طَرِيقِهِ، فَإِنَّ الْعُلُومَ تَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَكُونُ طَرِيقُ تَحْصِيلِهِ وَالدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مُقَدِّمَاتٍ فَيَكُونُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ أَصْعَبَ، وَإِلَى مَا يَكُونُ أَقَلَّ مُقَدِّمَاتٍ فَيَكُونُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ أَقْرَبَ، وَهَذَا هُوَ الْآيَةُ الْبَيِّنَةُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْإِنْزَالُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْرِيكِ الشَّيْءِ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ وَذَاكَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الْجِسْمِيِّ