بِسَبَبِكُمْ فَقَالُوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ وَقَوْلُهُ لَنَرْجُمَنَّكُمْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا:
لَنَشْتِمَنَّكُمْ مِنَ الرَّجْمِ بِالْقَوْلِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: وَلَيَمَسَّنَّكُمْ تَرَقٍّ كَأَنَّهُمْ قَالُوا وَلَا يَكْتَفِي بِالشَّتْمِ، بَلْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى الضَّرْبِ وَالْإِيلَامِ الْحِسِّيِّ وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الرَّجْمَ بِالْحِجَارَةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَلَيَمَسَّنَّكُمْ بَيَانٌ لِلرَّجْمِ، يَعْنِي وَلَا يَكُونُ الرَّجْمُ رَجْمًا قَلِيلًا نَرْجُمُكُمْ بِحَجَرٍ وَحَجَرَيْنِ، بَلْ نُدِيمُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ إِلَى الْمَوْتِ وَهُوَ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ بِسَبَبِ الرَّجْمِ عَذَابٌ مِنَّا أَلِيمٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَلِيمِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُؤْلِمِ، وَالْفَعِيلُ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ قَلِيلٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الْحَاقَّةِ: ٢١] أَيْ ذَاتِ رِضًا، فَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ هُوَ ذُو أَلَمٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فعيلا بمعنى فاعل وهو كثير.
[[سورة يس (٣٦) : آية ١٩]]
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)
ثُمَّ أَجَابَهُمُ الْمُرْسَلُونَ بِقَوْلِهِمْ: قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَيْ شُؤْمُكُمْ مَعَكُمْ وَهُوَ الْكُفْرُ.
ثُمَّ قَالُوا: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ: لَنَرْجُمَنَّكُمْ يَعْنِي أَتَفْعَلُونَ بِنَا ذَلِكَ، وَإِنْ ذُكِّرْتُمْ أَيْ بَيَّنَ لَكُمُ الْأَمْرَ بِالْمُعْجِزِ وَالْبُرْهَانِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ حَيْثُ تَجْعَلُونَ مَنْ يُتَبَرَّكُ بِهِ كَمَنْ/ يُتَشَاءَمُ بِهِ وَتَقْصِدُونَ إِيلَامَ مَنْ يَجِبُ فِي حَقِّهِ الْإِكْرَامُ أَوْ مُسْرِفُونَ حَيْثُ تَكْفُرُونَ، ثُمَّ تُصِرُّونَ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ بِالْمُعْجِزِ وَالْبُرْهَانِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ مُسِيءٌ فَإِذَا تَمَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَأُوضِحَ لَهُ السَّبِيلُ وَيُصِرُّ يَكُونُ مُسْرِفًا، وَالْمُسْرِفُ هُوَ الْمُجَاوِزُ الْحَدَّ بِحَيْثُ يَبْلُغُ الضِّدَّ وَهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، أَمَّا فِي التَّبَرُّكِ وَالتَّشَاؤُمِ فَقَدْ عُلِمَ وَكَذَلِكَ فِي الْإِيلَامِ وَالْإِكْرَامِ، وَأَمَّا فِي الْكُفْرِ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُجْزَمَ بِنَقِيضِهِ وَهُمْ جَزَمُوا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْبُرْهَانِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَإِنْ قِيلَ بَلْ لِلْإِضْرَابِ فَمَا الْأَمْرُ الْمُضْرَبُ عَنْهُ؟ نَقُولُ يُحْتَمَلُ أن يقال قوله: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ وَارِدٌ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَنِسْبَتِهِمُ الرُّسُلَ إِلَى الكذب بقولهم: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ [يس: ١٥] فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: أَنَحْنُ كَاذِبُونَ وَإِنْ جِئْنَا بِالْبُرْهَانِ، لَا بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَنَحْنُ مَشْؤُومُونَ، وَإِنْ جِئْنَا بِبَيَانِ صِحَّةِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، لَا بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَنَحْنُ مُسْتَحِقُّونَ لِلرَّجْمِ وَالْإِيلَامِ، وَإِنْ بَيَّنَّا صِحَّةَ مَا أَتَيْنَا بِهِ، لَا بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَأَمَّا الْحِكَايَةُ فَمَشْهُورَةٌ، وَهِيَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ رَجُلَيْنِ إِلَى أَنْطَاكِيَّةَ فَدَعَيَا إِلَى التَّوْحِيدِ وَأَظْهَرَا الْمُعْجِزَةَ مِنْ إِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى فَحَبَسَهُمَا الْمَلِكُ، فَأَرْسَلَ بَعْدَهُمَا شَمْعُونَ فَأَتَى الْمَلِكَ وَلَمْ يَدَعِ الرِّسَالَةَ، وَقَرَّبَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَلِكِ بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَسْمَعُ أَنَّ فِي الْحَبْسِ رَجُلَيْنِ يَدَّعِيَانِ أَمْرًا بَدِيعًا، أَفَلَا يَحْضُرَانِ حَتَّى نَسْمَعَ كَلَامَهُمَا؟ قَالَ الْمَلِكُ: بَلَى، فَأُحْضِرَا وَذَكَرَا مَقَالَتَهُمَا الْحَقَّةَ، فَقَالَ لَهُمَا شمعون: فهل لكما بينة؟ قالا: نعم، فأبرءا الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأَحْيَيَا الْمَوْتَى، فَقَالَ شَمْعُونُ: أَيُّهَا الملك، إن شئت أن تغلبهم، فقال لِلْآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا تَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الْمَلِكُ: أَنْتَ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّهَا لَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تَقْدِرُ وَلَا تَعْلَمُ، فَقَالَ شَمْعُونُ: فَإِذَنْ ظَهَرَ الْحَقُّ مِنْ جَانِبِهِمْ، فَآمَنَ الْمَلِكُ وَقَوْمٌ وَكَفَرَ آخَرُونَ، وَكَانَتِ الغلبة للمكذبين. ثم قال تعالى:
[[سورة يس (٣٦) : آية ٢٠]]
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)
وَفِي فَائِدَتِهِ وَتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَيَانٌ لِكَوْنِهِمْ أَتَوْا بِالْبَلَاغِ الْمُبِينِ حَيْثُ آمَنَ بِهِمُ الرَّجُلُ السَّاعِي، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ فِيهِ بَلَاغَةٌ بَاهِرَةٌ، وذلك لأنه لما جاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute