للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَمَا أَجَلَّ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ، وَأَعْظَمَ مَرَاتِبِ هَذِهِ الدَّرَجَاتِ! وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْبَيَانَاتِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مَبَادِئِ هَذِهِ الْحَالَاتِ، فَقَدْ ظَهَرَ بِالْبَيَانِ الَّذِي سَبَقَ أَنْ هَذِهِ السُّورَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَبَاحِثَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَأَسْرَارٍ لَا غَايَةَ لَهَا، وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ مَسْأَلَةٍ، كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِأَفْهَامِ السَّامِعِينَ.

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَقْرِيرِ مَشْرَعٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِنْبَاطُ الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ

وَلْنَتَكَلَّمْ فِي قَوْلِنَا: أَعُوذُ بِاللَّهِ فَنَقُولُ: أَعُوذُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ، وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ «بِاللَّهِ» فَهِيَ بَاءُ الْإِلْصَاقِ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ حُرُوفِ الْجَرِّ، وَحُرُوفُ الْجَرِّ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُرُوفِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا «اللَّهُ» فَهُوَ اسْمٌ مُعَيَّنٌ: إِمَّا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ، أَوْ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ، وَالِاسْمُ الْعَلَمُ وَالِاسْمُ الْمُشْتَقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ مُطْلَقِ الِاسْمِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ، أَنَّ مَعْرِفَةَ النَّوْعِ مُمْتَنِعٌ حُصُولُهَا إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ الْجِنْسَ جُزْءٌ مِنْ مَاهِيَّةِ النَّوْعِ، وَالْعِلْمُ بِالْبَسِيطِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمُرَكَّبِ لَا مَحَالَةَ، فَقَوْلُنَا: أَعُوذُ بِاللَّهِ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِهِ كَمَا يَنْبَغِي إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ أَوَّلًا، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ ذِكْرِ حُدُودِهَا وَخَوَاصِّهَا، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْسِيمِ الِاسْمِ إِلَى الِاسْمِ الْعَلَمِ، وَإِلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ، وَإِلَى اسْمِ الْجِنْسِ، وَتَعْرِيفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِحَدِّهِ وَرَسْمِهِ وَخَوَاصِّهِ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَنَّ لَفْظَةَ اللَّهِ اسْمٌ عَلَمٌ، أَوِ اسْمٌ مُشْتَقٌّ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ مَاذَا؟ وَيُذْكَرُ فِيهِ الْوُجُوهُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي قِيلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَأَيْضًا يَجِبُ الْبَحْثُ/ عَنْ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ يُذْكَرُ بَعْدَهُ أَقْسَامُ الْفِعْلِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ، وَيُذْكَرُ حَدُّهُ وَخَوَاصُّهُ وَأَقْسَامُهُ، ثُمَّ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الْمَبَاحِثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِقَوْلِنَا «أَعُوذُ» عَلَى التَّخْصِيصِ، وَأَيْضًا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَرْفِ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ يُذْكَرُ بَعْدَهُ حَرْفُ الْجَرِّ وَحَدُّهُ وَخَوَاصُّهُ وَأَحْكَامُهُ ثُمَّ يُذْكَرُ بَعْدَهُ بَاءُ الْإِلْصَاقِ وَحَدُّهُ وَخَوَاصُّهُ، وَعِنْدَ الْوُقُوفِ عَلَى تَمَامِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ يَحْصُلُ الْوُقُوفُ عَلَى تَمَامِ الْمَبَاحِثِ اللَّفْظِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَوْلِهِ:

أَعُوذُ بِاللَّهِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَبَاحِثَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَى مَعَاقِدِهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.

ثُمَّ نَقُولُ: وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: مِنَ الْمَرَاتِبِ أَنْ نَقُولَ: الِاسْمُ وَالْفِعْلُ وَالْحَرْفُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ دَاخِلَةٌ تَحْتَ جِنْسِ الْكَلِمَةِ، فَيَجِبُ الْبَحْثُ أَيْضًا عَنْ مَاهِيَّةِ الْكَلِمَةِ وَحَدِّهَا وَخَوَاصِّهَا، وَأَيْضًا فَهَهُنَا أَلْفَاظٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِالْكَلِمَةِ، وَهِيَ: الْكَلَامُ، وَالْقَوْلُ، وَاللَّفْظُ، وَاللُّغَةُ، وَالْعِبَارَةُ، فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، ثُمَّ يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ، أَوْ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَبَايِنَةِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ أَلْفَاظًا مُتَبَايِنَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُ تِلْكَ الْفُرُوقِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالتَّحْصِيلِ.

ثُمَّ نَقُولُ: وَالْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ: مِنَ الْبَحْثِ أَنْ نَقُولَ: لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ إِنَّمَا تَحْصُلُ مِنَ الْأَصْوَاتِ