لَسَاحِرٌ، فَوَقَعَتِ الضَّجَّةُ فِي النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا سَاحِرٌ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ مَحْزُونًا فَتَدَثَّرَ بِثَوْبِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ نَائِمًا مُتَدَثِّرًا بِثِيَابِهِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وأيقظه، وقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ كَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ اتْرُكِ التَّدَثُّرَ بِالثِّيَابِ وَالنَّوْمَ، وَاشْتَغِلْ بِهَذَا الْمَنْصِبِ الَّذِي نَصَّبَكَ اللَّهُ لَهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْمُدَّثِّرُ، الْمُتَدَثِّرَ بِالثِّيَابِ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ مُتَدَثِّرًا بِدِثَارِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَلْبَسَهُ اللَّهُ لِبَاسَ التَّقْوَى وَزَيَّنَهُ بِرِدَاءِ الْعِلْمِ، وَيُقَالُ: تلبس فلان بأمر كذا، فالمراد يا أيها الْمُدَّثِّرُ بِدِثَارِ النُّبُوَّةِ قُمْ فَأَنْذِرْ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُتَدَثِّرَ بِالثَّوْبِ يَكُونُ كَالْمُخْتَفِي فِيهِ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي جَبَلِ حِرَاءٍ كَانَ كَالْمُخْتَفِي مِنَ النَّاسِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْمُتَدَثِّرُ بِدِثَارِ الْخُمُولِ وَالِاخْتِفَاءِ، قُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ وَاخْرُجْ مِنْ زَاوِيَةِ الْخُمُولِ، وَاشْتَغِلْ بِإِنْذَارِ الْخَلْقِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ بِأَثْوَابِ الْعِلْمِ الْعَظِيمِ، وَالْخُلُقِ الْكَرِيمِ، وَالرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ قُمْ فَأَنْذِرْ عَذَابَ رَبِّكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: عن عكرمة أنه قرئ عَلَى لَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ دَثَّرَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: دَثَّرْتُ هَذَا الْأَمْرَ وَعَصَيْتُ بِهِ، وقد سبق نظيره في المزمل.
[[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢]]
قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)
في قوله: قُمْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: قُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ وَالثَّانِي: قُمْ قِيَامَ عَزْمٍ وَتَصْمِيمٍ، وَفِي قَوْلِهِ: فَأَنْذِرْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: حَذِّرْ قَوْمَكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تعالى: وَأَنْذِرْ [الأنعام: ٥١] وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سَبَأٍ: ٢٨] وهاهنا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ فَاشْتَغِلْ بِفِعْلِ الْإِنْذَارِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَهُ تَهَيَّأْ لِهَذِهِ الْحِرْفَةِ، فَإِنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ تَعَلَّمْ صَنْعَةَ الْمُنَاظَرَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ: نَاظِرْ زَيْدًا.
[[سورة المدثر (٧٤) : آية ٣]]
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ التَّكْبِيرِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَظِّمْ رَبَّكَ/ مِمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَثَانِيهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ،
رُوِي أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، فَكَبَّرَتْ خَدِيجَةُ وَفَرِحَتْ، وَعَلِمَتْ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ»
وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ مِنْهُ التَّكْبِيرُ فِي الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ الْبَعْثِ وَمَا كَانَتِ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قُلْنَا: لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَوَاتٌ تَطَوُّعِيَّةٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُكَبِّرَ رَبَّهُ فِيهَا وَرَابِعُهَا: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: قُمْ فَأَنْذِرْ قِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عَنِ اللَّغْوِ وَالْعَبَثِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا أَمَرَكَ بِهَذَا الْإِنْذَارِ إِلَّا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَمُهِمَّاتٍ عَظِيمَةٍ، لَا يَجُوزُ لَكَ الْإِخْلَالُ بِهَا، فَقَوْلُهُ:
وَرَبَّكَ كَالتَّأْكِيدِ فِي تَقْرِيرِ قَوْلِهِ: قُمْ فَأَنْذِرْ وَخَامِسُهَا: عِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بالإنذار، فكأن