فَإِنْ قِيلَ فَالْعَقْدُ كَيْفَ يَنْعَقِدُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ، فَإِنَّكَ لَوْ قُلْتَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّه لَا تُطَلَّقُ؟ قُلْنَا هَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالشَّرَائِعِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ خَبَرُهُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا عَاهَدَهُ عَلَيْهِ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يُرِيدُ ذَلِكَ الَّذِي قُلْتَهُ وَعَاهَدَتْنِي عَلَيْهِ قَائِمٌ بَيْنَنَا جَمِيعًا لَا يَخْرُجُ كِلَانَا عَنْهُ لَا أَنَا عَمَّا شَرَطْتُ عَلَيَّ وَلَا أَنْتَ عَمَّا شَرَطْتَ عَلَى نَفْسِكِ، ثم قال: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ مِنَ الْأَجَلَيْنِ أَطْوَلُهُمَا الَّذِي هُوَ الْعَشْرُ أَوْ أَقْصَرُهُمَا الَّذِي هُوَ الثَّمَانُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أَيْ لَا يُعْتَدَى عَلَيَّ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ أَرَادَ بِذَلِكَ تَقْرِيرَ أَمْرِ الْخِيَارِ، يَعْنِي إِنْ شَاءَ هَذَا وَإِنْ شَاءَ هَذَا وَيَكُونُ اخْتِيَارُ الْأَجَلِ الزَّائِدِ مَوْكُولًا إِلَى رَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ إِجْبَارٌ، ثم قال: وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ وَالْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي وُكِلَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمَّا اسْتُعْمِلَ الْوَكِيلُ فِي مَعْنَى الشاهد عدي بعلي لهذا السبب.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٩ الى ٣٢]
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)
اعْلَمْ أَنَّهُ
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تَزَوَّجَ صُغْرَاهُمَا وَقَضَى أَوْفَاهُمَا»
أَيْ قَضَى أَوْفَى الْأَجَلَيْنِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ قَضَى الْأَجَلَ عَشْرَ سِنِينَ وَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِينَاسَ حَصَلَ عَقِيبَ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ عَقِيبَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ قَضَاءُ الْأَجَلِ، فَبَطَلَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَسارَ بِأَهْلِهِ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مُنْفَرِدًا مَعَهَا وَقَوْلُهُ: امْكُثُوا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَمْعِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا فَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ طه وَالنَّمْلِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَفِيهِ أَبْحَاثٌ:
الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْجَذْوَةُ بِاللُّغَاتِ الثَّلَاثِ وَقَدْ قُرِئَ بِهِنَّ جَمِيعًا وَهُوَ الْعُودُ الْغَلِيظُ كَانَتْ فِي رَأْسِهِ نَارٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ، قَالَ الزَّجَّاجُ الْجَذْوَةُ الْقِطْعَةُ الْغَلِيظَةُ مِنَ الْحَطَبِ الثَّانِي: قَدْ حَكَيْنَا فِي سُورَةِ طه إِنَّهُ أَظْلَمَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فِي الصَّحْرَاءِ وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَرَّقَتْ مَاشِيَتَهُ وَضَلَّ وَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَوَجَدُوا بَرْدًا شَدِيدًا فَعِنْدَهُ أَبْصَرَ نَارًا بَعِيدَةً فَسَارَ إِلَيْهَا يَطْلُبُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ مِنْ هَذِهِ النَّارِ بِجَذْوَةٍ مِنَ الْحَطَبِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ وَفِي قَوْلِهِ: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute