للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنَّمَا قَالَ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَعَ أَنَّ التَّفْرِيقَ يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا إِلَّا أَنَّ أَحَدًا لَفْظٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ [الْأَحْزَابِ: ٣٢] .

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ الْعَفْوِ وَعَدَمِ الْإِحْبَاطِ فَقَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى/ وَعَدَ مَنْ آمَنَ باللَّه ورسله بأن يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ، وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْإِيمَانِ، وَإِلَّا لَمْ تَصْلُحْ هَذِهِ الْآيَةُ لِأَنْ تَكُونَ تَرْغِيبًا فِي الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِعَدَمِ الْإِحْبَاطِ وَالْقَطْعَ بِالْعَفْوِ وَبِالْإِخْرَاجِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ الْإِدْخَالِ فِيهَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ يُؤْتِيهِمْ بِالْيَاءِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى اسْمِ اللَّه، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، وَذَلِكَ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَفْخَمُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مشاكل لقوله وَأَعْتَدْنا [الأحزاب: ٣١] .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ إِيتَاءَهَا كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَالْغَرَضُ بِهِ تَوْكِيدُ الْوَعْدِ وَتَحْقِيقُهُ لَا كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا.

ثُمَّ قَالَ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَعَدَهُمْ بِالثَّوَابِ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ وَيَعْفُو عنها ويغفرها.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٤]

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤)

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ جَهَالَاتِ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنْ عند اللَّه فائتنا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ جُمْلَةً كَمَا جَاءَ مُوسَى بِالْأَلْوَاحِ. وَقِيلَ: طَلَبُوا أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى فُلَانٍ وَكِتَابًا إِلَى فُلَانٍ بِأَنَّكَ/ رَسُولُ اللَّه وَقِيلَ: كِتَابًا نُعَايِنُهُ حِينَ يُنَزَّلُ، وَإِنَّمَا اقْتَرَحُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ لِأَنَّ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ كَانَتْ قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَحَصَلَتْ فَكَانَ طَلَبُ الزِّيَادَةِ مِنْ بَابِ التَّعَنُّتِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ وَإِنَّمَا أَسْنَدَ السُّؤَالَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ وُجِدَ مِنْ آبَائِهِمْ فِي أَيَّامِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُمُ النُّقَبَاءُ السَّبْعُونَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَرَاضِينَ بِسُؤَالِهِمْ وَمُشَاكِلِينَ لَهُمْ فِي التَّعَنُّتِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ بَيَانُ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّعَنُّتِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ مُوسَى لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ لَمْ يَكْتَفُوا بِذَلِكَ الْقَدْرِ، بَلْ طَلَبُوا مِنْهُ الرُّؤْيَةَ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَايَنَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَ هَؤُلَاءِ لِنُزُولِ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ لَيْسَ لِأَجْلِ الِاسْتِرْشَادِ بَلْ لِمَحْضِ الْعِنَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>