جَمِيعُ الْكَبَائِرِ وَبِالْإِثْمِ جَمِيعُ الذُّنُوبِ. قَالُوا: إِنَّ الْبَغْيَ وَالشِّرْكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ الْفَوَاحِشِ وَتَحْتَ الْإِثْمِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمَا أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الذُّنُوبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [الْبَقَرَةِ: ٩٨] وَفِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الْأَحْزَابِ: ٧] وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا الْفَاحِشَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالزِّنَا وَالْإِثْمُ بِالْخَمْرِ قَالُوا: الْبَغْيُ وَالشِّرْكُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ تَحْتَ الْفَوَاحِشِ وَالْإِثْمِ فَنَقُولُ: الْبَغْيُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْغَيْرِ نَفْسًا أَوْ مَالًا أَوْ عِرْضًا وَأَيْضًا قَدْ يُرَادُ بِالْبَغْيِ الْخُرُوجُ عَلَى سُلْطَانِ الْوَقْتِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَغْيُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْرِ الْحَقِّ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ.
قُلْنَا إِنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الإسراء: ٣٣] وَالْمَعْنَى: لَا تُقْدِمُوا عَلَى إِيذَاءِ النَّاسِ بِالْقَتْلِ وَالْقَهْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَكُمْ فِيهِ حَقٌّ فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَغْيًا.
وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ: مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَفِيهِ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ فِي الشِّرْكِ بِاللَّهِ مَا قَدْ أَنْزَلَ بِهِ سُلْطَانًا وَجَوَابُهُ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى ثُبُوتِهِ حُجَّةٌ وَلَا سُلْطَانٌ مُمْتَنِعٌ فَلَمَّا امْتَنَعَ حُصُولُ الْحُجَّةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالشِّرْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِهِ بَاطِلًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّقْلِيدِ بَاطِلٌ.
وَالنَّوْعُ الْخَامِسُ: مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٢٨] وَبَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: كَلِمَةُ «إِنَّمَا» تُفِيدُ الْحَصْرَ فَقَوْلُهُ: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ كَذَا وَكَذَا يُفِيدُ الْحَصْرَ وَالْمُحَرَّمَاتُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَالْجَوَابُ: إِنْ قُلْنَا الْفَاحِشَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مُطْلَقِ الْكَبَائِرِ وَالْإِثْمُ عَلَى مُطْلَقِ الذَّنْبِ دَخَلَ كُلُّ/ الذُّنُوبِ فِيهِ وَإِنْ حَمْلَنَا الْفَاحِشَةَ عَلَى الزِّنَا وَالْإِثْمَ عَلَى الْخَمْرِ قُلْنَا: الْجِنَايَاتُ مَحْصُورَةٌ فِي خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا:
الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَنْسَابِ وَهِيَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالزِّنَا وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ وَثَانِيهَا:
الْجِنَايَاتُ عَلَى الْعُقُولِ وَهِيَ شُرْبُ الْخَمْرِ وَإِلَيْهَا الإشارة بقوله: الْإِثْمَ وَثَالِثُهَا: الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَعْرَاضِ.
وَرَابِعُهَا: الْجِنَايَاتُ عَلَى النُّفُوسِ وَعَلَى الْأَمْوَالِ وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَخَامِسُهَا:
الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَدْيَانِ وَهِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهَا: الطَّعْنُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَثَانِيهَا: الْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ فَلَمَّا كَانَتْ أُصُولُ الْجِنَايَاتِ هِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَكَانَتِ الْبَوَاقِي كَالْفُرُوعِ وَالتَّوَابِعِ لَا جَرَمَ جَعَلَ تَعَالَى ذِكْرَهَا جَارِيًا مَجْرَى ذِكْرِ الْكُلِّ فَأَدْخَلَ فِيهَا كَلِمَةَ «إِنَّمَا» الْمُفِيدَةِ لِلْحَصْرِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: الْفَاحِشَةُ وَالْإِثْمُ هُوَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ كَلَامٌ خَالٍ عَنِ الْفَائِدَةِ وَالْجَوَابُ كَوْنُ الْفِعْلِ فَاحِشَةً هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اشْتِمَالِهِ فِي ذَاتِهِ عَلَى أُمُورٍ باعتبارها يجب