للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: هَلَّا قِيلَ: (مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا) كَمَا قِيلَ: مَا وَعَدَنا رَبُّنا.

وَالْجَوَابُ: قَوْلُهُ: مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْوَعْدِ وَكَوْنُهُمْ مُخَاطَبِينَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْوَعْدِ يُوجِبُ مَزِيدَ التَّشْرِيفِ وَمَزِيدُ التَّشْرِيفِ لَائِقٌ بِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لِأَنْ يُخَاطِبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلِهَذَا السَّبَبِ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ بَلْ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ بَيَّنَ هَذَا الْحُكْمَ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا نَعَمْ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَعْتَرِفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ وَوَعِيدَهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانُوا عَارِفِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانُوا عَارِفِينَ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ مِنْ صِفَاتِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَعَلِمُوا بِالضَّرُورَةِ أَنَّ عِنْدَ قَبُولِ التَّوْبَةِ يَتَخَلَّصُونَ مِنَ الْعَذَابِ فَلِمَ لَا يَتُوبُونَ لِيُخَلِّصُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ؟ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ [الشُّورَى: ٢٥] عَامٌّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَأَيْضًا فَالتَّوْبَةُ اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ وَإِقْرَارٌ بِالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَاللَّائِقُ بِالرَّحِيمِ الْحَكِيمِ التَّجَاوُزُ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ.

أَجَابَ الْمُتَكَلِّمُونَ: بِأَنَّ شِدَّةَ اشْتِغَالِهِمْ بِتِلْكَ الْآلَامِ الشَّدِيدَةِ يَمْنَعُهُمْ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّوْبَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْآلَامُ لَا تَمْنَعُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَاتِ فَكَيْفَ تَمْنَعُهُمْ عَنِ التَّوْبَةِ الَّتِي بِهَا يَتَخَلَّصُونَ عَنْ تِلْكَ الْآلَامِ الشَّدِيدَةِ؟

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ قَبُولُ التَّوْبَةِ لَا خَلَاصَ لَهُمْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ. أَمَّا أَصْحَابُنَا لَمَّا قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَقْلًا قَالُوا لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقْبَلَ التَّوْبَةَ فِي الدُّنْيَا وَأَنْ لَا يَقْبَلَهَا فِي الْآخِرَةِ فَزَالَ السُّؤَالُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: نَعَمْ عِدَةٌ وَتَصْدِيقٌ وَقَالَ الَّذِينَ شَرَحُوا كَلَامَهُ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ/ يُسْتَعْمَلُ تَارَةً عِدَةً وَتَارَةً تَصْدِيقًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ عِدَةٌ وَتَصْدِيقٌ مَعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَتُعْطِينِي؟ وَقَالَ نَعَمْ كَانَ عِدَةً وَلَا تَصْدِيقَ فِيهِ وَإِذَا قَالَ: قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتَ: نَعَمْ فَقَدْ صَدَقْتَ وَلَا عِدَةَ فِيهِ وَأَيْضًا إِذَا اسْتَفْهَمْتَ عَنْ مُوجَبٍ كَمَا يُقَالُ: أَيَقُومُ زَيْدٌ؟ قُلْتَ: نَعَمْ وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْإِيجَابِ نَفْيًا لَقُلْتَ: بَلَى وَلَمْ تَقُلْ نَعَمْ فَلَفْظَةُ نَعَمْ مُخْتَصَّةٌ بِالْجَوَابِ عَنِ الْإِيجَابِ وَلَفْظَةُ بَلَى مُخْتَصَّةٌ بِالنَّفْيِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ:

١٧٢] .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ الْكِسَائِيُّ نَعِمْ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هُمَا لُغَتَانِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْكَسْرُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَاحْتَجَّ الْكِسَائِيُّ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ قَوْمًا عَنْ شَيْءٍ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا النَّعَمُ فَالْإِبِلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَعْنَى التَّأْذِينِ فِي اللُّغَةِ النِّدَاءُ وَالتَّصْوِيتُ بِالْإِعْلَامِ وَالْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ إِعْلَامٌ بِهَا وَبِوَقْتِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>