للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُحَافَظَةَ مُتَغَايِرَانِ غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ، فَإِنَّ الْخُشُوعَ صِفَةٌ لِلْمُصَلِّي فِي حَالِ الْأَدَاءِ لِصَلَاتِهِ وَالْمُحَافَظَةُ إِنَّمَا تَصِحُّ حَالَ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا بِكَمَالِهَا. بَلِ الْمُرَادُ بِالْمُحَافَظَةِ التَّعَهُّدُ لِشُرُوطِهَا مِنْ وَقْتٍ وَطَهَارَةٍ وَغَيْرِهِمَا وَالْقِيَامُ عَلَى أَرْكَانِهَا وَإِتْمَامِهَا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ دَأْبَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى مَجْمُوعَ هَذِهِ الْأُمُورِ قَالَ: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ سَمَّى مَا يَجِدُونَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْجَنَّةِ بِالْمِيرَاثِ؟ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَكَمَ بِأَنَّ الْجَنَّةَ حَقُّهُمْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التَّوْبَةِ: ١١١] الْجَوَابُ: مِنْ/ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: مَا رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَبْيَنُ عَلَى مَا يُقَالُ فِيهِ وَهُوَ: أَنَّهُ لَا مُكَلَّفٌ إِلَّا أَعَدَّ اللَّه لَهُ فِي النَّارِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إِنْ عَصَى وَفِي الْجَنَّةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إِنْ أَطَاعَ وَجَعَلَ لِذَلِكَ عَلَامَةً. فَإِذَا آمَنَ مِنْهُمُ الْبَعْضُ وَلَمْ يُؤْمِنِ الْبَعْضُ صَارَ مَنْزِلُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ كَالْمَنْقُولِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَصَارَ مَصِيرُهُمْ إِلَى النَّارِ الَّذِي لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ حِرْمَانِ الثَّوَابِ كَمَوْتِهِمْ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ مِيرَاثًا لِهَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ إِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا مَلَكَهُ الْمَيِّتُ وَبَيْنَ مَا يُقَدِّرُ فِيهِ الْمَلِكُ فِي أَنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ كَذَلِكَ قَالُوا فِي الدِّيَةِ الَّتِي تَجِبُ بِالْقَتْلِ إِنَّهَا تُورَثُ مَعَ أَنَّهُ مَا مَلَكَهَا عَلَى التحقيق وذلك يشهد بما ذَكَرْنَا، فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ كُلَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ إِرْثًا وَعَلَى مَا قُلْتُمْ يَدْخُلُ فِي الْإِرْثِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمْ لَوْ أَطَاعَ. قُلْنَا لَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مَا هُوَ مَنْزِلَةٌ لِهَذَا الْمُؤْمِنِ بِعَيْنِهِ مَنْزِلَةً لِذَلِكَ الْكَافِرِ لَوْ أَطَاعَ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ يَزِيدُ فِي الْمَنَازِلِ فَإِذَا آمَنَ هَذَا عَدَلَ بِذَلِكَ إِلَيْهِ وَثَانِيهَا: أَنَّ انْتِقَالَ الْجَنَّةِ إِلَيْهِمْ بِدُونِ مُحَاسَبَةٍ وَمَعْرِفَةٍ بِمَقَادِيرِهِ يُشْبِهُ انْتِقَالَ الْمَالِ إِلَى الْوَارِثِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْجَنَّةَ كَانَتْ مَسْكَنَ أَبِينَا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا انْتَقَلَتْ إِلَى أَوْلَادِهِ صَارَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْمِيرَاثِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ حَكَمَ عَلَى الْمَوْصُوفِينَ بِالصِّفَاتِ السَّبْعِ بِالْفَلَاحِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى مَا تَمَّمَ ذِكْرَ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَةِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالتُّرُوكِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالطَّهَارَاتُ دَخَلَتْ فِي جُمْلَةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لِكَوْنِهَا مِنْ شَرَائِطِهَا.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: أَفَيَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ؟ الْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَهُ: هُمُ الْوارِثُونَ يُفِيدُ الْحَصْرَ لَكِنَّهُ يَجِبُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْجَنَّةَ يَدْخُلُهَا الْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ وَالْوِلْدَانُ وَالْحُورُ الْعِينُ وَيَدْخُلُهَا الْفُسَّاقُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بَعْدَ الْعَفْوِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: ٤٨] .

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَفَكُلُّ الْجَنَّةِ هُوَ الْفِرْدَوْسُ؟ الْجَوَابُ: الْفِرْدَوْسُ هُوَ الْجَنَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَقِيلَ بِلِسَانِ الرُّومِ،

وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْفِرْدَوْسُ مَقْصُورَةُ الرَّحْمَنِ فِيهَا الْأَنْهَارُ وَالْأَشْجَارُ»

وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «سَلُوا اللَّه الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهَا أَعْلَى الْجِنَانِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ يَسْمَعُونَ أَطِيطَ الْعَرْشِ» .

السُّؤَالُ الْخَامِسُ: هَلْ تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ هِيَ الَّتِي لَهَا وَلِأَجْلِهَا يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: ادَّعَى الْقَاضِي أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ مَوْضُوعٌ لِأَدَاءِ كُلِّ الْوَاجِبَاتِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ مِثْلُ قد أفلح

<<  <  ج: ص:  >  >>