للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُطْلِقَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ عَلَيْهِ وَهُوَ قول الزجاج وثالثها: أن تجعله صلة لحافظين.

السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلَّا قِيلَ مَنْ مَلَكَتْ الْجَوَابُ: لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي السُّرِّيَّةِ وَصْفَانِ: أَحَدُهُمَا: الْأُنُوثَةُ وَهِيَ مَظِنَّةُ نُقْصَانِ الْعَقْلِ وَالْآخَرُ كَوْنُهَا بِحَيْثُ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى كَسَائِرِ السِّلَعِ، فَلِاجْتِمَاعِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فِيهَا جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْعُقَلَاءِ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ عَلَى مَا يُرْوَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ: نَعَمْ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ لَحَصَلَ التَّوَارُثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ [النِّسَاءِ: ١٢] وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ وَجَبَ أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَلَيْسَ لَا يَحِلُّ لَهُ فِي الزَّوْجَةِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ الِاسْتِمْتَاعُ فِي أَحْوَالٍ كَحَالِ الْحَيْضِ وَحَالِ الْعِدَّةِ وَفِي الْأَمَةِ حَالَ تَزْوِيجِهَا مِنَ الْغَيْرِ وَحَالَ عِدَّتِهَا، وَكَذَا الغلام داخل في ظاهر قوله وتعالى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ وَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ/ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ لَا يَكُونُ إِثْبَاتًا وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»

فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حُصُولَ الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الطُّهُورِ وَحُصُولَ النِّكَاحِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْوَلِيِّ. وَفَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ صَرْفُ الْحُكْمِ لَا صَرْفُ الْمَحْكُومِ بِهِ فَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ حِفْظُ الْفُرُوجِ عَنِ الْكُلِّ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَإِنِّي مَا ذَكَرْتُ حُكْمَهُمَا لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ الثَّانِي: أَنَّا إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، فَغَايَتُهُ أَنَّهُ عَامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ بِالدَّلِيلِ فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ حُجَّةً.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ يَعْنِي الْكَامِلُونَ فِي الْعُدْوَانِ الْمُتَنَاهُونَ فِيهِ.

الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ لِأَمَانَتِهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسَمَّى الشَّيْءُ الْمُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ وَالْمُعَاهَدُ عَلَيْهِ أَمَانَةً وَعَهْدًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النِّسَاءِ: ٥٨] وَقَالَ: وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الْأَنْفَالِ: ٢٧] وَإِنَّمَا تُؤَدَّى الْعُيُونُ دُونَ الْمَعَانِي فَكَانَ الْمُؤْتَمَنُ عليه الأمانة في نفسه وَالْعَهْدُ، مَا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ وَيَقَعُ أَيْضًا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ كَقَوْلِهِ:

الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا [آلِ عِمْرَانَ: ١٨٣] وَالرَّاعِي الْقَائِمُ عَلَى الشَّيْءِ لِحِفْظٍ وَإِصْلَاحٍ كَرَاعِي الْغَنَمِ وَرَاعِي الرَّعِيَّةِ، وَيُقَالُ مَنْ رَاعِي هَذَا الشَّيْءِ؟ أَيْ موليه. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا تَرْكُهُ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْخِيَانَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الْأَنْفَالِ: ٢٧] فَمِنْ ذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الَّتِي الْمَرْءُ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا وَكُلُّ الْعِبَادَاتِ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَخْفَى أَصْلًا كَالصَّوْمِ وَغُسْلِ الجناية وَإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ أَوْ تَخْفَى كَيْفِيَّةُ إِتْيَانِهِ بِهَا

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَعْظَمُ النَّاسِ خِيَانَةً مَنْ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ»

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةُ وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ» وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَا يَلْتَزِمُهُ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعُقُودِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِمَا. ومن ذلك الأقوال التي يحرم بِهَا الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُرَاعِيَ أَمَانَتَهُ فَلَا يُفْسِدَهَا بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْعَهْدُ فَإِنَّهُ دَخَلَ فِيهِ الْعُقُودُ وَالْأَيْمَانُ وَالنُّذُورُ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالْقِيَامَ بِهَا مُعْتَبَرٌ فِي حُصُولِ الْفَلَاحِ.

الصِّفَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ وَإِنَّمَا أَعَادَ تَعَالَى ذِكْرَهَا لأن الخشوع

<<  <  ج: ص:  >  >>