للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَجَاءَ بِنَجْمِهِ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ لَوْ تَرَكْتُهُ إِلَى آخِرِ نَجْمٍ؟ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لا أدرك ذلك ثم قرأ هذه الآية، وكان ابن عمر يؤخره إلى آخر النجوم مخافة أن يعجز. وثانيها: المراد وآتوهم سَهْمَهُمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ في قوله: وَفِي الرِّقابِ وَعَلَى هَذَا فَالْخِطَابُ لِغَيْرِ السَّادَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، وَرِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَدْفَعَ صَدَقَتَهُ الْمَفْرُوضَةَ إِلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى لِلسَّادَةِ وَالنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْمُكَاتَبَ عَلَى كِتَابَتِهِ بِمَا يُمْكِنُهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَالْمُقَاتِلِينَ وَالنَّخَعِيُّ

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَعَانَ مُكَاتَبًا عَلَى فَكِّ رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّه تَعَالَى فِي ظِلِّ عَرْشِهِ» ،

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْظَمْتَ المسألة، أَعْتَقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ، فَقَالَ أَلَيْسَا وَاحِدًا؟ فَقَالَ لَا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا»

قَالُوا وَيُؤَكِّدُ هَذَا الْقَوْلَ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَمْرٌ بِإِعْطَائِهِ/ مِنْ مَالِ اللَّه تَعَالَى وَمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْإِضَافَةُ فَهُوَ مَا كَانَ سَبِيلُهُ الصَّدَقَةَ وَصَرْفُهُ فِي وُجُوهِ الْقُرْبِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ قَوْلَهُ:

مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ هُوَ الَّذِي قَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِلْمَالِكِ وَأُمِرَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ، وَمَالُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ عَلَى عَبْدِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ صَحِيحٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ مَا آتَاهُ اللَّه فَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي يَدِهِ وَيُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَمَا سَقَطَ عَقِيبَ الْعَقْدِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عَلَيْهِ يَدُ مِلْكٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الصِّفَةَ بِأَنَّهُ مِنْ مَالِ اللَّه الَّذِي آتَاهُ، فَإِنْ قِيلَ هَاهُنَا وَجْهَانِ يَقْدَحَانِ فِي صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَيْفَ يَحِلُّ لِمَوْلَاهُ إِذَا كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: وَآتُوهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَكاتِبُوهُمْ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ الْمُخَاطَبُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى السَّادَاتِ، وَفِي الثانية سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَجَوَابُهُ أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِمَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَقِفِ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ النُّجُومِ وَعَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْبَاقِي كَانَ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِسَبَبِ الصَّدَقَةِ، وَلَكِنْ بِسَبَبِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَمَنِ اشْتَرَى الصَّدَقَةَ مِنَ الْفَقِيرِ أَوْ وَرِثَهَا مِنْهُ. يَدُلُّ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ»

وَالْجَوَابُ:

عَنِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ الْخِطَابُ لِقَوْمٍ ثُمَّ يَعْطِفُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ لَفْظِهِ خطابا لغيرهم، كقوله تعالى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [البقرة: ٢٣١] فَالْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ ثُمَّ خَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِقَوْلِهِ: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ وقوله: مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ وَالْقَائِلُونَ غَيْرُ الْمُبَرَّئِينَ فَكَذَا هَاهُنَا قَالَ لِلسَّادَةِ فَكاتِبُوهُمْ وَقَالَ لِغَيْرِهِمْ وَآتُوهُمْ أَوْ قَالَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ.

المسألة الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إِيتَاءُ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ أَنْ يحط عنه جزءا من مال الكتابة أو يَدْفَعَ إِلَيْهِ جُزْءًا مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَقِيلَ عَلَيْهِ إِنَّ قَوْلَهُ:

فَكاتِبُوهُمْ وَقَوْلَهُ: وَآتُوهُمْ أَمْرَانِ وَرَدَا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَلِمَ جُعِلَتِ الْأُولَى نَدْبًا وَالثَّانِيَ إِيجَابًا؟ وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ وَآتُوهُمْ لَيْسَ خِطَابًا مَعَ الْمَوَالِي بَلْ مَعَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ. حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه مِنْ حَيْثُ السنة والقياس، أما السنة فما

روى عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ»

فَلَوْ كَانَ الْحَطُّ وَاجِبًا لَسَقَطَ عَنْهُ بِقَدْرِهِ،

وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>