للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةُ فَكَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَوَهَبَ لَهُ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا، وَأَمَّا الْأَثَرُ فَمَا رُوِيَ أن عمر أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَنَسًا أَنْ يُكَاتِبَ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَأَبَى، فَرَفَعَ عَلَيْهِ الدُّرَّةَ وَضَرَبَهُ وَقَالَ: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَحَلَفَ عَلَيْهِ لَيُكَاتِبَنَّهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا لَكَانَ ضَرْبُهُ بِالدُّرَّةِ ظُلْمًا، وَمَا أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْإِجْمَاعِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِنَّهُ أمر استجاب وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ»

وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ أَنْ يَطْلُبَ الْكِتَابَةَ أَوْ يَطْلُبَ بَيْعَهُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ، فَكَمَا لَا يَجِبُ ذَلِكَ فَكَذَا الْكِتَابَةُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُعَاوَضَاتِ أَجْمَعَ وَهَاهُنَا سُؤَالَانِ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِمَالِهِ؟ قُلْنَا إذا ورد الشرع به أن يجوز كما إذا علق عَتَقَهُ عَلَى مَالٍ يَكْتَسِبُهُ فَيُؤَدِّيهِ أَوْ يُؤَدِّي عَنْهُ صَارَ سَبَبًا لِعِتْقِهِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلْ يَسْتَفِيدُ الْعَبْدُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ مَا لَا يَمْلِكُهُ؟ لَوْلَا الْكِتَابَةُ؟ قُلْنَا نَعَمْ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ الزَّكَاةَ، وَلَمْ يُكَاتِبْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَإِذَا صَارَ مُكَاتَبًا حَلَّ لَهُ وَإِذَا دَفَعَ إِلَى مَوْلَاهُ حَلَّ لَهُ، سَوَاءٌ أَدَّى فَعَتَقَ أَوْ عَجَزَ فَعَادَ إِلَى الرِّقِّ، وَيَسْتَفِيدُ أَيْضًا أَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْعَثُهُ عَلَى الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْكَسْبِ، فَلَوْلَاهَا لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ، وَيَسْتَفِيدُ الْمَوْلَى الثَّوَابَ لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ فلا ثَوَابٌ، وَيَسْتَفِيدُ أَيْضًا الْوَلَاءُ لِأَنَّهُ لَوْ عُتِقَ من قبل غيره لم يكن له وأذلاء وَإِذَا عُتِقَ بِالْكِتَابَةِ فَالْوَلَاءُ لَهُ، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِجَوَازِ الْكِتَابَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَوَائِدِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً فَذَكَرُوا فِي الْخَيْرِ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: مَا

رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ حِرْفَةً، فَلَا تَدَعُوهُمْ كَلًّا عَلَى النَّاسِ»

وَثَانِيهَا: قَالَ عَطَاءٌ الْخَيْرُ/ الْمَالُ وَتَلَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً أَيْ تَرَكَ مَالًا، قَالَ وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَثَالِثُهَا: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ إذا صلى وقال النخعي وفاء وصدقا قال الْحَسَنُ صَلَاحًا فِي الدِّينِ وَرَابِعُهَا: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْأَمَانَةُ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْكَسْبِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ قَلَّمَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَسُوبًا يُحَصِّلُ الْمَالَ وَيَكُونُ أَمِينًا يَصْرِفُهُ فِي نُجُومِهِ وَلَا يُضَيِّعُهُ فَإِذَا فُقِدَ الشَّرْطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَا يستجب أَنْ يُكَاتِبَهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَالِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِذَا قَالُوا فُلَانٌ فِيهِ خَيْرٌ إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ وَلَوْ أَرَادَ الْمَالَ لَقَالَ إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ خَيْرًا، لأنه إنما يُقَالُ فِيهِ مَالٌ الثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ بَلِ الْمَالُ لِسَيِّدِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَعُودُ عَلَى كِتَابَتِهِ بِالتَّمَامِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه وَهُوَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْكَسْبِ وَيُوثَقَ بِهِ بِحِفْظِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعُودُ عَلَى كِتَابَتِهِ بِالتَّمَامِ وَدَخَلَ فِيهِ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْرَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَسَّرَهُ بِالْكَسْبِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

المسألة الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِ بِقَوْلِهِ: وَآتُوهُمْ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ هُوَ الْمَوْلَى يَحُطُّ عَنْهُ جزءا من مال الكتابة أو يدفع إليه جُزْءًا مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ، وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُ وَقَالَ يَجِبُ أَنْ يَحُطَّ قَدْرًا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحُطُّ رُبْعَ الْمَالِ،

رَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَاتَبَ غلاما لَهُ رُبْعَ مُكَاتَبَتِهِ، وَقَالَ إِنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُنَا بِذَلِكَ

وَيَقُولُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّه تَعَالَى: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالسُّبُعُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>