للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَاهُنَا فَتَنْفُخُ فِيها وَذَكَرَ فِي آلِ عِمْرَانَ فَأَنْفُخُ فِيهِ [آل عمران: ٤٩] .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَهُ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ أَيْ هَيْئَةٌ مِثْلُ هَيْئَةِ الطَّيْرِ فَقَوْلُهُ فَتَنْفُخُ فِيها الضَّمِيرُ لِلْكَافِ، لِأَنَّهَا صِفَةُ الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ يَخْلُقُهَا عِيسَى وَيَنْفُخُ فِيهَا وَلَا يَرْجِعُ إِلَى الْهَيْئَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا نَفْخِهِ فِي شَيْءٍ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْكَافُ تُؤَنَّثُ بِحَسَبَ الْمَعْنَى لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ هَيْئَةِ الطَّيْرِ وَتُذَكَّرُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَقَعَ الضَّمِيرُ عَنْهَا تَارَةً عَلَى وَجْهِ التَّذْكِيرِ وَأُخْرَى عَلَى وَجْهِ التَّأْنِيثِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى اعْتَبَرَ الْإِذْنَ فِي خَلْقِ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَفِي صَيْرُورَتِهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ طَيْرًا. وَإِنَّمَا أَعَادَ قَوْلَهُ بِإِذْنِي تَأْكِيدًا لِكَوْنِ ذَلِكَ وَاقِعًا بِقُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى وَتَخْلِيقِهِ لَا بِقُدْرَةِ عِيسَى وَإِيجَادِهِ.

وَخَامِسُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ مَعْرُوفٌ وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ الْأَكْمَهُ مَنْ وُلِدَ أَعْمَى وَالْأَعْمَى مَنْ وُلِدَ بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ.

وَسَادِسُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي أَيْ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً/ بِإِذْنِي أَيْ بِفِعْلِي ذَلِكَ عِنْدَ دُعَائِكَ، وَعِنْدَ قَوْلِكَ لِلْمَيِّتِ اخْرُجْ بِإِذْنِ اللَّه مِنْ قَبْرِكَ، وَذِكْرُ الْإِذْنِ فِي هَذِهِ الْأَفَاعِيلِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى إِضَافَةِ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ إِلَى اللَّه تَعَالَى كَقَوْلِهِ وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٥] أي إلا بخلق اللَّه الموت فيها.

وَسَابِعُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ جِنْسَ الْبَيِّنَاتِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا أَظْهَرَ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الْعَجِيبَةَ قَصَدَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ فَخَلَّصَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْهُمْ حَيْثُ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَاحِرٌ بِالْأَلِفِ وَكَذَلِكَ فِي يُونُسَ وَهُودٍ وَالصَّفِّ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فِي يُونُسَ بِالْأَلِفِ فَقَطْ وَالْبَاقُونَ سِحْرٌ فَمَنْ قَرَأَ سَاحِرٌ أَشَارَ إِلَى الرَّجُلِ وَمَنْ قَرَأَ سِحْرٌ أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ. وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: وَالِاخْتِيَارُ سِحْرٌ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ عَلَى الْحَدَثِ وَالشَّخْصِ، أَمَّا وُقُوعُهُ عَلَى الْحَدَثِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا وُقُوعُهُ عَلَى الشَّخْصِ، فَتَقُولُ: هَذَا سِحْرٌ وَتُرِيدُ بِهِ ذُو سِحْرٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ [الْبَقَرَةِ: ١٧٧] أَيْ ذَا الْبِرِّ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى شَرَعَ هَاهُنَا فِي تَعْدِيدِ نِعَمِهِ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْلُ الْكُفَّارِ فِي حَقِّهِ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ لَيْسَ مِنَ النِّعَمِ، فَكَيْفَ ذَكَرَهُ هَاهُنَا؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ مِنَ الْأَمْثَالِ الْمَشْهُورَةِ- أَنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ- وَطَعْنُ الْكُفَّارِ فِي عِيسَى عَلَيْهِ/ السَّلَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>