أَيْ قُلْتُمْ بَعْضُهَا عُزَّى وَلَا عِزَّةَ لَهَا، وَقِيلَ قُلْتُمْ إِنَّهَا آلِهَةٌ وَلَيْسَتْ بِآلِهَةٍ، وَالَّذِي نَقُولُهُ هُوَ أَنَّ هَذَا جَوَابٌ عَنْ كَلَامِهِمْ، وَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُمْ قَالُوا نَحْنُ لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَلِدْ كَمَا تَلِدُ النِّسَاءُ وَلَمْ يُولَدْ كَمَا تُولَدُ الرِّجَالُ بِالْمُجَامَعَةِ وَالْإِحْبَالِ، غَيْرَ أَنَّا رَأَيْنَا لَفْظَ الْوَلَدِ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْمُسَبَّبِ تَقُولُ: بِنْتُ الْجَبَلِ وَبِنْتُ الشَّفَةِ لِمَا يَظْهَرُ مِنْهُمَا وَيُوجَدُ، لَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَوْلَادُ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ وُجِدُوا بِسَبَبِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَقُلْنَا إِنَّهُمْ أَوْلَادُهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِيهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ فَقُلْنَا هُمْ أَوْلَادٌ مُؤَنَّثَةٌ، وَالْوَلَدُ الْمُؤَنَّثُ بِنْتٌ، فَقُلْنَا لَهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، أَيْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِيجَادِ كَمَا تَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ، فَقَالَ تَعَالَى: هَذِهِ الْأَسْمَاءُ اسْتَنْبَطْتُمُوهَا أَنْتُمْ بِهَوَى أَنْفُسِكُمْ وَأَطْلَقْتُمْ عَلَى اللَّهِ مَا يُوهِمُ النَّقْصَ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَوْلُهُ تعالى: يا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: ٥٦] وقوله (بيده الْخَيْرُ) «١» أَسْمَاءٌ مُوهَمَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَهَا، وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ نَفْسَهُ بِمَا اخْتَارَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ بِمَا يُوهِمُ النَّقْصَ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ، وَلْنُبَيِّنِ التَّفْسِيرَ فِي مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هِيَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى مَاذَا؟ نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا عَائِدَةٌ إِلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الْأَسْمَاءُ كَأَنَّهُ قَالَ مَا هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي وَضَعْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هِيَ عَائِدَةٌ إِلَى الْأَصْنَامِ بِأَنْفُسِهَا أَيْ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ إِلَّا أَسْمَاءٌ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّجَوُّزِ، يُقَالُ لِتَحْقِيرِ إِنْسَانٍ مَا زَيْدٌ إِلَّا اسْمٌ وَمَا الْمَلِكُ إِلَّا اسْمٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَمِلًا عَلَى صِفَةٍ تُعْتَبَرُ فِي الْكَلَامِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً [يُوسُفَ: ٤٠] أَيْ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ إِلَّا أَسْمَاءٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ سَمَّيْتُمُوها مَعَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ وَضَعُوهَا أَوْ بَعْضَهَا هُمْ وَضَعُوهَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ؟ نَقُولُ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَا يَتِمُّ الذَّمُّ إِلَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ إِنْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا كَلَامَ فِيهَا، وَإِنْ وَضَعَهَا لِلتَّفَاهُمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْفَائِدَةِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمَ مِنْهَا لَكِنَّ إِيهَامَ النَّقْصِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْهَا، فَاللَّهُ تَعَالَى مَا جَوَّزَ وَضْعَ الْأَسْمَاءِ لِلْحَقَائِقِ إِلَّا حَيْثُ تَسْلَمُ عَنِ الْمُحَرَّمِ، فَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ دَلِيلٌ نَقْلِيٌّ وَلَا وَجْهٌ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّ ارْتِكَابَ الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ لِأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ الْقَلِيلَةِ لَا يُجَوِّزُهُ الْعَاقِلُ، فَإِذَا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ وَوَضَعَ الِاسْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَلِيلٍ نَقْلِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ خَالِيًا عَنْ وُجُوهِ الْمَضَارِّ الرَّاجِحَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: كَيْفَ قَالَ: سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسَامِي لِأَصْنَامِهِمْ كَانَتْ قَبْلَهُمْ؟ نَقُولُ فِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا مَا سَمَّيْنَاهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ قَبْلَنَا، قِيلَ لَهُمْ كُلُّ مَنْ يُطْلِقُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَهُوَ كَالْمُبْتَدِئِ الْوَاضِعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاضِعَ الْأَوَّلَ لِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ وَاضِعًا بِدَلِيلٍ/ عَقْلِيٍّ لَمْ يَجِبِ اتِّبَاعُهُ فَمَنْ يُطْلِقُ اللَّفْظَ لِأَنَّ فُلَانًا أَطْلَقَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ أَضَلَّنِي الْأَعْمَى وَلَوْ قَالَهُ لَقِيلَ لَهُ بَلْ أَنْتَ أَضْلَلْتَ نَفْسَكَ حَيْثُ اتَّبَعْتَ مَنْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْأَسْمَاءُ لَا تُسَمَّى، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهَا فَكَيْفَ قَالَ: سَمَّيْتُمُوها؟ نَقُولُ عَنْهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا: لُغَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ وَضْعُ الِاسْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَسْمَاءٌ وَضَعْتُمُوهَا فَاسْتَعْمَلَ سَمَّيْتُمُوهَا اسْتِعْمَالَ وَضَعْتُمُوهَا، وَيُقَالُ سَمَّيْتُهُ زَيْدًا وسميته يزيد فَسَمَّيْتُمُوهَا بِمَعْنَى سَمَّيْتُمْ بِهَا وَثَانِيهِمَا: مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمْ بِهَا لَكَانَ هُنَاكَ غَيْرُ الِاسْمِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِها لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ سَمَّيْتُ به يستدعي مفعولا
(١) لم نعثر عليها في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute