للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا مَعْنَى الرَّدِّ؟.

الْجَوَابُ: يُقَالُ: رَدَدْتُهُ أَيْ رَجَعْتُهُ قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي [الْكَهْفِ: ٣٦] وَفِي مَوْضِعٍ آخر: وَلَئِنْ رُجِعْتُ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا مَعْنَى الرَّدِّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ؟ وَهِيَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ زَوْجَتُهُ كَمَا كَانَتْ.

الْجَوَابُ: أَنَّ الرَّدَّ وَالرَّجْعَةَ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ التَّرَبُّصِ وَالتَّحَرِّي فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ ما دامت في العدة كأنه كَانَتْ جَارِيَةً فِي إِبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجِ وَبِالرَّجْعَةِ يَبْطُلُ ذَلِكَ، فَلَا جَرَمَ سُمِّيَتِ الرَّجْعَةُ رَدًّا، لَا سِيَّمَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ الرَّجْعَةِ، فَفِي الرَّدِّ عَلَى مَذْهَبِهِ شَيْئَانِ/ أَحَدُهُمَا: رَدُّهَا مِنَ التَّرَبُّصِ إِلَى خِلَافِهِ الثَّانِي: رَدُّهَا مِنَ الْحُرْمَةِ إِلَى الْحِلِّ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي ذلِكَ.

الْجَوَابُ: أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ إِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ التَّرَبُّصِ، فَإِذَا انْقَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الرَّدَّةِ وَالرَّجْعَةِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً فَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ إِنْ أَرَادُوا الْإِصْلَاحَ وَمَا أَرَادُوا الْمُضَارَّةَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة: ٢٣١] وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَرْجِعُونَ الْمُطَلَّقَاتِ، وَيُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِهِنَّ لِيُطَلِّقُوهُنَّ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، حَتَّى تَحْتَاجَ الْمَرْأَةُ إِلَى أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةً حَادِثَةً، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الشَّرْطَ فِي حِلِّ الْمُرَاجَعَةِ إِرَادَةَ الْإِصْلَاحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ كَلِمَةَ «إِنْ» لِلشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، فَيَلْزَمُ إِذَا لَمْ تُوجَدْ إِرَادَةُ الْإِصْلَاحِ أَنْ لَا يَثْبُتَ حَقُّ الرَّجْعَةِ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِرَادَةَ صِفَةٌ بَاطِنَةٌ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهَا، فَالشَّرْعُ لَمْ يُوقِفْ صِحَّةَ الْمُرَاجَعَةِ عَلَيْهَا، بَلْ جَوَازُهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مَوْقُوفٌ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا لِقَصْدِ الْمُضَارَّةِ اسْتَحَقَّ الْإِثْمَ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمُرَاجَعَةِ إِصْلَاحَ حَالِهَا، لَا إِيصَالَ الضَّرَرِ إِلَيْهَا بَيَّنَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ حَقًّا عَلَى الْآخَرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرَاعِيًا حَقَّ الْآخَرِ، وَتِلْكَ الْحُقُوقُ الْمُشْتَرَكَةُ كَثِيرَةٌ، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا فَأَحَدُهَا: أَنَّ الزَّوْجَ كَالْأَمِيرِ وَالرَّاعِي، وَالزَّوْجَةَ كَالْمَأْمُورِ وَالرَّعِيَّةِ، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ أَمِيرًا وَرَاعِيًا أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهَا وَمَصَالِحِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ إِظْهَارُ الِانْقِيَادِ وَالطَّاعَةِ لِلزَّوْجِ وَثَانِيهَا: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي لَأَتَزَيَّنُ لِامْرَأَتِي كَمَا تَتَزَيَّنُ لِي» لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ وَثَالِثُهَا: وَلَهُنَّ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ إِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ عِنْدَ الْمُرَاجَعَةِ، مِثْلُ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ تَرْكِ الْكِتْمَانِ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ، وَهَذَا أَوْفَقُ لِمُقَدِّمَةِ الْآيَةِ.