للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا اسْمُ الصِّفَةِ فَنَقُولُ: الصِّفَةُ إِمَّا أَنْ تكون حقيقة أَوْ إِضَافِيَّةً أَوْ سَلْبِيَّةً، أَوْ مَا يَتَرَكَّبُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صِفَةً حَقِيقِيَّةً مَعَ إِضَافَةٍ أَوْ مَعَ سَلْبٍ أَوْ صِفَةً سَلْبِيَّةً مَعَ إِضَافَةٍ أَوْ مَجْمُوعَ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافَةٍ وَسَلْبِيَّةٍ. أَمَّا الصِّفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْعَارِيَةُ عَنِ الْإِضَافَةِ فَكَقَوْلِنَا مَوْجُودٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: الْوُجُودُ صِفَةٌ، أَوْ قَوْلُنَا وَاحِدٌ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: الْوَحْدَةُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ، وَكَقَوْلِنَا حَيٌّ، فَإِنَّ الْحَيَاةَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ عَارِيَةٌ عَنِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الْإِضَافِيَّةُ الْمَحْضَةُ فَكَقَوْلِنَا: مَذْكُورٌ وَمَعْلُومٌ، وَأَمَّا الصِّفَةُ السَّلْبِيَّةُ، فَكَقَوْلِنَا: الْقُدُّوسُ السَّلَامُ. وَأَمَّا الصِّفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَعَ الْإِضَافَةِ، فَكَقَوْلِنَا: عَالِمٌ وَقَادِرٌ، فَإِنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَعْلُومِ وَالْقَادِرِ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِالْمَقْدُورِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَعَ السَّلْبِيَّةِ. فَكَقَوْلِنَا: قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَوْجُودٍ لَا أَوَّلَ لَهُ. وَأَمَّا الصِّفَةُ الْإِضَافِيَّةُ مَعَ السَّلْبِيَّةِ، فَكَقَوْلِنَا: أَوَّلُ. فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ غَيْرَهُ وَمَا سَبَقَهُ غَيْرُهُ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَعَ الْإِضَافَةِ وَالسَّلْبِ، فَكَقَوْلِنَا: حَكِيمٌ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَفْعَلُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَصِفَةُ الْعِلْمِ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَكَوْنُ هَذِهِ الصِّفَةِ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَعْلُومَاتِ، نَسَبٌ وَإِضَافَاتٌ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ فَاعِلٍ لِمَا لَا يَنْبَغِي سَلْبٌ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: السُّلُوبُ، غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالْإِضَافَاتُ أَيْضًا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَكَوْنُهُ خَالِقًا/ لِلْمَخْلُوقَاتِ صِفَةٌ إِضَافِيَّةٌ، وَكَوْنُهُ مُحْيِيًا وَمُمِيتًا إِضَافَاتٌ مَخْصُوصَةٌ، وَكَوْنُهُ رَازِقًا أَيْضًا إِضَافَةٌ أُخْرَى مَخْصُوصَةٌ. فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ أَسْمَاءٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا للَّه تَعَالَى، لِأَنَّ مَقْدُورَاتِهِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَلَمَّا كَانَ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَاتِهِ، وَإِنَّمَا السَّبِيلُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِمَعْرِفَةِ أَفْعَالِهِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ وُقُوفُهُ عَلَى أَسْرَارِ حِكْمَتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ أَكْثَرَ، كَانَ عِلْمُهُ بِأَسْمَاءِ اللَّه أَكْثَرَ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا بَحْرًا لَا سَاحِلَ لَهُ وَلَا نِهَايَةَ لَهُ، فكذلك لا نِهَايَةَ لَهُ، فَكَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لِمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ اللَّه الْحُسْنَى.

النَّوْعُ الثَّانِي: فِي تَقْسِيمِ أَسْمَاءِ اللَّه مَا قَالَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ: وَهُوَ أَنَّ صِفَاتِ اللَّه تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَجِبُ، وَيَجُوزُ، وَيَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّه تَعَالَى. وللَّه تَعَالَى بِحَسَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَسْمَاءٌ مَخْصُوصَةٌ.

وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: فِي تَقْسِيمِ أَسْمَاءِ اللَّه أَنَّ صِفَاتِ اللَّه تَعَالَى إِمَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتِيَّةً، أَوْ مَعْنَوِيَّةً، أَوْ كَانَتْ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ.

وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ: فِي تَقْسِيمِ أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى إِمَّا أَنْ يَجُوزَ إِطْلَاقُهَا عَلَى غَيْرِ اللَّه تَعَالَى، أَوْ لَا يَجُوزُ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ كَقَوْلِنَا: الْكَرِيمُ الرَّحِيمُ الْعَزِيزُ اللَّطِيفُ الْكَبِيرُ الْخَالِقُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَجُوزُ إِطْلَاقُهَا عَلَى الْعِبَادِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى مُغَايِرًا لِمَعْنَاهَا فِي حَقِّ الْعِبَادِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهُوَ كَقَوْلِنَا: اللَّه الرَّحْمَنُ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَإِنَّهَا إِذَا قُيِّدَتْ بِقُيُودٍ مَخْصُوصَةٍ صَارَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إِطْلَاقُهَا إِلَّا فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى كَقَوْلِنَا: يَا أَرْحَمَ الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا خالق السموات وَالْأَرْضِينَ.

النَّوْعُ الْخَامِسُ: فِي تَقْسِيمِ أَسْمَاءِ اللَّه أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَسْمَاءِ اللَّه مَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ وَحْدَهُ، كَقَوْلِنَا: يَا اللَّه يَا رَحْمَنُ يَا حَيُّ يَا حَكِيمُ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، كَقَوْلِنَا: مُمِيتٌ وَضَارٌّ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالذِّكْرِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: يَا مُحْيِي يَا مُمِيتُ يَا ضَارُّ يَا نَافِعُ.

النَّوْعُ السَّادِسُ: فِي تَقْسِيمِ أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُقَالَ: أَوَّلُ مَا يُعْلَمُ مِنْ صِفَاتِ اللَّه تَعَالَى كَوْنُهُ مُحْدِثًا لِلْأَشْيَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>