للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ ذُرَةٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ عُصَارَةِ شَجَرَةٍ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ، كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي خَبَرِ الرِّبَا لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الرِّبَا فِي غَيْرِهَا.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»

قَالَ الْخَطَّابِيُّ:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ»

دَلَّ عَلَى/ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا وُجِدَ مِنْهُ السُّكْرُ مِنَ الْأَشْرِبَةِ كُلِّهَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَكَانَ مُسَمَّى الْخَمْرِ مَجْهُولًا لِلْقَوْمِ حَسُنَ مِنَ الشَّارِعِ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ هَذَا إِمَّا عَلَى سَبِيلِ أَنَّ هَذَا هُوَ مُسَمَّاهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ أَنْ يَضَعَ اسْمًا شَرْعِيًّا عَلَى سَبِيلِ الْإِحْدَاثِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا.

وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا خَمْرٌ فَحَقِيقَةُ هَذَا اللَّفْظِ يُفِيدُ كَوْنَهُ فِي نَفْسِهِ خَمْرًا فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَجَبَ حَمْلُهُ مَجَازًا عَلَى الْمُشَابَهَةِ فِي الْحُكْمِ، الَّذِي هُوَ خَاصِّيَّةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ، فَقَالَ:

«كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ»

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْبِتْعُ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنَ الْعَسَلِ، وَفِيهِ إِبْطَالُ كُلِّ تَأْوِيلٍ يَذْكُرُهُ أَصْحَابُ تَحْلِيلِ الْأَنْبِذَةِ، وَإِفْسَادٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْمُسْكِرِ مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُئِلَ عَنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِذَةِ فَأَجَابَ عَنْهُ بِتَحْرِيمِ الْجِنْسِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ تَفْصِيلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَمَقَادِيرِهِ لَذَكَرَهُ وَلَمْ يُهْمِلْهُ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .

الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ:

رُوِيَ أَيْضًا عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ»

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: «الْفَرَقُ» مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا، وَفِيهِ أَبْيَنُ الْبَيَانِ أَنَّ الْحُرْمَةَ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الشَّرَابِ.

الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ،

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُفَتِّرُ كُلُّ شَرَابٍ يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الْأَعْضَاءِ، وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ فَهُوَ خَمْرٌ، وَهُوَ حَرَامٌ.

النَّوْعُ الثَّانِي: مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ التَّمَسُّكُ بِالِاشْتِقَاقَاتِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَصْلُ هَذَا الْحَرْفِ التَّغْطِيَةُ، سُمِّيَ الْخِمَارُ خِمَارًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي رَأْسَ الْمَرْأَةِ، وَالْخَمْرُ مَا وَارَاكَ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ، مِنْ وَهْدَةٍ وَأَكَمَةٍ، وَخَمَّرْتُ رَأْسَ الْإِنَاءِ أَيْ غَطَّيْتُهُ، وَالْخَامِرُ هُوَ الَّذِي يَكْتُمُ شَهَادَتَهُ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سُمِّيَتْ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُخَامِرُ الْعَقْلَ، أَيْ تُخَالِطُهُ، يُقَالُ: خَامَرَهُ الدَّاءُ إِذَا خَالَطَهُ، وَأَنْشَدَ لِكُثَيِّرٍ:

هَنِيئًا مَرِيئًا غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ

وَيُقَالُ خَامَرَ السِّقَامُ كَبِدَهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا خَالَطَ الشَّيْءَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ