للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّحَابِيِّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ كَانَ إِجْمَاعًا وَالثَّانِي: أَنَّ التَّقْدِيرَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَى الْعَقْلِ إِلَيْهِ مَتَى رُوِيَ عَنِ الصَّحَابِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: «تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ فِي كُلِّ شَهْرٍ»

مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضُ جَمِيعِ النِّسَاءِ فِي كُلِّ شَهْرٍ هَذَا الْقَدْرَ خَالَفْنَا هَذَا الظَّاهِرَ فِي الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِعُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْهُنَّ، فَقِيلَ مَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ: تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِي لَا تُصَلِّي»

وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسم الأيام والليال، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهَا عَشَرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَفْظُ الْأَيَّامِ، وَلَا يُقَالُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ أَيَّامٌ، بَلْ يُقَالُ: أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا أَمَّا الثَّلَاثَةُ إِلَى الْعَشَرَةِ فَيُقَالُ فِيهَا أَيَّامٌ، وَأَيْضًا

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ

وَلَفْظُ الْأَيَّامِ مُخْتَصٌّ بِالثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ،

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ أَنَّهَا تُهْرِقُ الدَّمَ، فَقَالَ: لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ مِنَ الشَّهْرِ فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنَ الشَّهْرِ، ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّ.

فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّ حَيْضَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ كَانَ مُقَدَّرًا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ.

قُلْنَا: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا سَأَلَهَا عَنْ قَدْرِ حَيْضِهَا بَلْ حَكَمَ عَلَيْهَا بِهَذَا الْحُكْمِ مُطْلَقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ مُطْلَقًا مُقَدَّرٌ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْأَيَّامِ وَأَيْضًا

قَالَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا،

وَذَلِكَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: وَهِيَ حُجَّةٌ ذَكَرَهَا الْجُبَّائِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي «تَفْسِيرِهِ» فَقَالَ: إِنَّ فَرْضَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَازِمٌ يَتَعَيَّنُ لِلْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ على وجوبها تُرِكَ الْعَمَلُ بِهَا فِي الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ وَفَوْقَ الْعَشَرَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ حَصَلَ اخْتِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَمْ نَجْعَلْهُ حَيْضًا وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَفِيهِ أَيْضًا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَمْ نَجْعَلْهُ حَيْضًا، فَأَمَّا مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَجَعَلْنَاهُ حَيْضًا فَهَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُرْمَةِ الْجِمَاعِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى حَلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمَرْأَةِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ، فَنَقُولُ:

إِنْ فَسَّرْنَا الْمَحِيضَ بِمَوْضِعِ الْحَيْضِ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ كَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فَقَطْ، فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا وَرَاءَهُ، بَلْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى حِلِّ مَا سِوَى الْجِمَاعِ، أَمَّا مَنْ يُفَسِّرُ الْمَحِيضَ بِالْحَيْضِ، كَانَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ عِنْدَهُ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ، ثُمَّ يَقُولُ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الْحُرْمَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ:

وَلا تَقْرَبُوهُنَّ أَيْ وَلَا تُجَامِعُوهُنَّ، يُقَالُ قَرَبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِذَا جَامَعَهَا، وَهَذَا كَالتَّأْكِيدِ لقوله تعالى: