حُجَّةُ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ هُوَ الْوَلِيُّ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الزَّوْجِ هُوَ أَنْ يُعْطِيَهَا كُلَّ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ يَكُونُ هِبَةً، وَالْهِبَةُ لَا تُسَمَّى عَفْوًا، أَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَسُوقَ الْمَهْرَ إِلَيْهَا عِنْدَ التَّزَوُّجِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا اسْتَحَقَّ أَنْ يُطَالِبَهَا بِنِصْفِ مَا سَاقَ إِلَيْهَا، فَإِذَا تَرَكَ الْمُطَالَبَةَ فَقَدْ عَفَا عَنْهَا وَثَانِيهَا: سَمَّاهُ عَفْوًا عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْعَفْوَ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّسْهِيلُ يُقَالُ: فُلَانٌ وَجَدَ الْمَالَ عَفْوًا صَفْوًا، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ هَذَا الْقَوْلِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا عَفْوُ الرَّجُلِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا كُلَّ الصَّدَاقِ عَلَى وَجْهِ السُّهُولَةِ.
أَجَابَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْوَلِيُّ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ صُدُورَ الْعَفْوِ عَنِ الزَّوْجِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عَلَى بَعْضِ التَّقْدِيرَاتِ وَاللَّهُ تَعَالَى نَدَبَ إِلَى الْعَفْوِ مُطْلَقًا وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَأَجَابُوا عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي أَنَّ الْعَفْوَ الصَّادِرَ عَنِ الْمَرْأَةِ هُوَ الْإِبْرَاءُ وَهَذَا عَفْوٌ فِي الْحَقِيقَةِ أَمَّا الصَّادِرُ عَنِ الرَّجُلِ مَحْضُ الْهِبَةِ فَكَيْفَ يُسَمَّى عَفْوًا؟.
وَأَجَابُوا عَنِ السُّؤَالِ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَفْوُ هُوَ التَّسْهِيلَ لَكَانَ كُلُّ مَنْ سَهَّلَ عَلَى إِنْسَانٍ شَيْئًا يُقَالُ إِنَّهُ عَفَا عَنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْوَلِيُّ هُوَ أَنَّ ذِكْرَ الزَّوْجِ قَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَلَوْ كَانَ المراد بقوله: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هُوَ الزَّوْجَ، لَقَالَ: أَوْ تَعْفُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمُغَايَبَةِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ غَيْرُ الزَّوْجِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ سَبَبَ الْعُدُولِ عَنِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ يَرْغَبُ الزَّوْجُ فِي الْعَفْوِ، وَالْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ الزَّوْجُ الَّذِي حَبَسَهَا بِأَنْ مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا عَنِ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا سَبَبٌ فِي الْفِرَاقِ وَإِنَّمَا فَارَقَهَا الزَّوْجُ، فَلَا جَرَمَ كَانَ حَقِيقًا بِأَنْ لَا يَنْقُصَهَا مِنْ مَهْرِهَا وَيُكْمِلَ لَهَا صَدَاقَهَا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ هُوَ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ بِيَدِهِ الْبَتَّةَ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَبْلَ النِّكَاحِ كَانَ الزَّوْجُ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْمَرْأَةِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْكَاحِهَا الْبَتَّةَ وَأَمَّا بَعْدَ النِّكَاحِ فَقَدْ حَصَلَ النِّكَاحُ ولا قدرة على إيجاد الموجود بل له لا قُدْرَةٌ عَلَى إِزَالَةِ النِّكَاحِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ الْعَفْوَ لِمَنْ فِي يَدِهِ وَفِي قُدْرَتِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ يَدٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُوَ الزَّوْجَ، أَمَّا الْوَلِيُّ فَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْكَاحِهَا، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ هُوَ الْوَلِيَّ لَا الزَّوْجُ، ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَجَابُوا عَنْ دَلَائِلَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ هُوَ الزَّوْجُ.
أَمَّا الْحُجَّةُ الْأُولَى: فَإِنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُضَافُ إِلَى الْفَاعِلِ تَارَةً عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ وَأُخْرَى عِنْدَ/ السَّبَبِ يُقَالُ بَنَى الْأَمِيرُ دَارًا، وَضَرَبَ دِينَارًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّسَاءَ إِنَّمَا يَرْجِعْنَ فِي مُهِمَّاتِهِنَّ وَفِي مَعْرِفَةِ مَصَالِحِهِنَّ إِلَى أَقْوَالِ الْأَوْلِيَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ التَّزَوُّجِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخُوضُ فِيهِ، بَلْ تُفَوِّضُهُ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى رَأْيِ الْوَلِيِّ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ حُصُولُ الْعَفْوِ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَبِسَعْيِهِ فَلِهَذَا السَّبَبِ أُضِيفَ الْعَفْوُ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ.
وَأَمَّا الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ قَوْلُهُمْ: الَّذِي بِيَدِ الْوَلِيِّ عَقْدُ النِّكَاحِ لَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ، قُلْنَا: الْعُقْدَةُ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْعَقْدُ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُقْدَةَ هِيَ الْمَعْقُودَةُ لَكِنَّ تِلْكَ الْمَعْقُودَةَ إِنَّمَا حصلت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute