للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهِيَ الْقِرَاءَةُ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَ الْخَوْفِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَكَلَّمَ حَالَ الصَّلَاةِ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ يَأْتِيَ بِصَيْحَاتٍ لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهَا وَالثَّالِثُ: أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ فَنَقُولُ: أَمَّا الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ فَسَاقِطَانِ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فَسَاقِطٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَالْإِيمَاءُ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا، فَيَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ الْإِيمَاءَ النَّائِبَ عَنِ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الْإِيمَاءِ النَّائِبِ عَنِ الرُّكُوعِ، لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُمْكِنٌ، وَأَمَّا تَرْكُ الطَّهَارَةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَجْلِ الْخَوْفِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّطْهِيرُ بِالْمَاءِ أَوِ التُّرَابِ، إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَامْتَنَعَ عليه التوضي بِهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالْغُبَارِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْهُ حَالَ رُكُوبِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ خَوْفُ الْعَطَشِ يُرَخِّصُ التَّيَمُّمَ، فَالْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ أَوْلَى أَنَّ يُرَخِّصَ فِي ذَلِكَ، فَهَذَا تَفْصِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَاعْتِمَادُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»

وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَوَجَبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ أَيْضًا.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لَمْ يَبْلُغِ الْخَوْفُ هَذَا الْحَدَّ وَمَعَ ذلك فإنه صلى الله عليه وسلّم أخرى الصَّلَاةَ فَعَلِمْنَا كَوْنَ هَذِهِ الْآيَةِ نَاسِخَةً لِذَلِكَ الْفِعْلِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْخَوْفِ الَّذِي يُفِيدُ هَذِهِ الرُّخْصَةَ وَطَرِيقُ الضَّبْطِ أَنْ نَقُولَ: الْخَوْفُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقِتَالِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، أَمَّا الْخَوْفُ فِي الْقِتَالِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي قِتَالٍ وَاجِبٍ، أَوْ مُبَاحٍ، أَوْ مَحْظُورٍ، أَمَّا الْقِتَالُ الْوَاجِبُ فَهُوَ كَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَفِيهِ نَزَلَتِ الْآيَةُ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ، قَالَ تَعَالَى: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ [الْحُجُرَاتِ: ٩] وَأَمَّا الْقِتَالُ الْمُبَاحُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَحَاسِنِ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: إِنَّ دَفْعَ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ مُبَاحٌ غَيْرُ وَاجِبٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَصَدَ الْكَافِرُ نَفْسَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ لِئَلَّا يَكُونَ إِخْلَالًا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: أَمَّا الْقِتَالُ فِي الدَّفْعِ عَنِ النَّفْسِ وَفِي الدَّفْعِ عَنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ صَلَاةُ الْخَوْفِ، أَمَّا قَصْدُ أَخْذِ مَالِهِ، أَوْ إِتْلَافِ حَالِهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ/ الْخَوْفِ، فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَصَحُّ أَنْ يَجُوزَ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»

فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الدَّفْعَ عَنِ الْمَالِ كَالدَّفْعِ عَنِ النَّفْسِ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الزَّوْجِ أَعْظَمُ، أَمَّا الْقِتَالُ الْمَحْظُورُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ فِيهِ صَلَاةُ الْخَوْفِ، لِأَنَّ هَذَا رُخْصَةٌ وَالرُّخْصَةُ إِعَانَةٌ وَالْعَاصِي لَا يَسْتَحِقُّ الْإِعَانَةَ، أَمَّا الْخَوْفُ الْحَاصِلُ لَا فِي الْقِتَالِ، كَالْهَارِبِ مِنَ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالسَّبُعِ وَكَذَا الْمُطَالِبِ بِالدِّينِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا خَائِفًا مِنَ الْحَبْسِ، عَاجِزًا عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ، فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَذِهِ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ.

فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْخَوْفُ مِنَ الْعَدُوِّ حَالَ الْمُقَاتَلَةِ.

قُلْنَا: هَبْ أَنَّهُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ هُنَاكَ دفعا للضرر، وهذا المعنى قائم هاهنا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مَشْرُوعًا وَاللَّهُ أعلم.

المسألة السابعة: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمُ الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعٌ، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْخَوْفِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَتْرُوكٌ.