للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِعْلَ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرَادَةِ وَتِلْكَ الْإِرَادَةُ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ تِلْكَ الْإِرَادَةَ أَطَاعَ، وَإِذَا خَلَقَ النَّوْعَ الْآخَرَ مِنَ الْإِرَادَةِ عَصَى، فَطَاعَةُ الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ وَمَعْصِيَتُهُ أَيْضًا مِنَ اللَّهِ، وَفِعْلُ اللَّهِ لَا يُوجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ، فَلَا الطَّاعَةُ تُوجِبُ الثَّوَابَ، وَلَا الْمَعْصِيَةُ تُوجِبُ الْعِقَابَ، بَلِ الْكُلُّ مِنَ اللَّهِ بِحُكْمِ إِلَهِيَّتِهِ وَقَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَصَحَّ ما ادعيناه أنه لو شاء يُعَذِّبَ جَمِيعَ الْمُقَرَّبِينَ حَسُنَ مِنْهُ، وَلَوْ شَاءَ يَرْحَمَ جَمِيعَ الْفَرَاعِنَةِ حَسُنَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْبُرْهَانُ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لِلْكُفَّارِ وَلَا يُعَذِّبُ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ.

قُلْنَا: مَدْلُولُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ لَفَعَلَ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَفْعَلُ أَوْ لَا يَفْعَلُ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ.

ثُمَّ خَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّهُ وَإِنْ حَسُنَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا أَنَّ جَانِبَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ غَالِبٌ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بَلْ على سبيل الفضل والإحسان.

تم الجزء الثامن، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء التاسع، وأوله قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أعان الله تعالى على إكماله