للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ هَذِهِ الآية بما قبله وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَرَجَفُوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، فَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّهُ لَا تَمُوتُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، / فَكَانَ قَتْلُهُ مِثْلَ مَوْتِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ الْمُعَيَّنِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي دَارِهِ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ دِينِهِ، فَكَذَا إِذَا قُتِلَ وَجَبَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ ذَلِكَ فِي فَسَادِ دِينِهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إِبْطَالُ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَارْجِعُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَدْيَانِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَحْرِيضَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْجِهَادِ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّ الْحَذَرَ لَا يَدْفَعُ الْقَدَرَ، وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَمُوتُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ لَا يَنْدَفِعُ الْمَوْتُ بِشَيْءٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْجُبْنِ وَالْخَوْفِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حِفْظَ اللَّهِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَخْلِيصَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَعْرَكَةِ الْمُخَوِّفَةِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْوَاقِعَةَ مَا بَقِيَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ إِلَّا وَقَدْ حَصَلَ فِيهَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَافِظًا وَنَاصِرًا مَا ضَرَّهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَهُ قَصَّرُوا فِي الذَّبِّ عَنْهُ. وَالرَّابِعُ: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَيْسَ فِي إِرْجَافِ مَنْ أَرْجَفَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ فِيهِ أَوْ يُعِينُ فِي تَقْوِيَةِ الْكُفْرِ، بَلْ يُبْقِيهِ اللَّهُ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْمُنَافِقُونَ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا رَجَعُوا وَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ قَالُوا: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ كِلَاهُمَا لَا يَكُونَانِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَحُضُورِ الْأَجَلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْإِذْنِ عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ هُوَ الْأَمْرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ فَلَا يَمُوتُ أَحَدٌ إِلَّا بِهَذَا الْأَمْرِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْإِذْنِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النَّحْلِ: ٤٠] وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِنَّمَا هُوَ التَّكْوِينُ وَالتَّخْلِيقُ وَالْإِيجَادُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَنِ الْمُرَادُ: أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِمَا أَمَاتَهَا اللَّهُ تَعَالَى. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ هُوَ التَّخْلِيَةُ وَالْإِطْلَاقُ وَتَرْكُ الْمَنْعِ بِالْقَهْرِ وَالْإِجْبَارِ، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ١٠٢] أَيْ بِتَخْلِيَتِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَهْرِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ بِتَخَلِّي اللَّهِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَحْفَظُ نَبِيَّهُ وَيَجْعَلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيُتِمَّ عَلَى يَدَيْهِ بَلَاغَ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، وَلَا يُخَلِّي بَيْنَ أَحَدٍ وَبَيْنَ قَتْلِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ، فَلَا تَنْكَسِرُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَزَوَاتِكُمْ بِأَنْ يُرْجِفَ مُرْجِفٌ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ نَفَسًا لَنْ تَمُوتَ إِلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مَوْتَهَا فِيهِ، وَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَزِمَ الْمَوْتُ، كَمَا قَالَ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [النَّحْلِ: ٦١] الْخَامِسُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِذْنُ هُوَ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْدُثُ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، كَأَنَّهُ فِعْلٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْأَخْفَشُ وَالزَّجَّاجُ: اللَّامُ فِي وَما كانَ لِنَفْسٍ مَعْنَاهَا النَّفْيُ، وَالتَّقْدِيرُ وَمَا كَانَتْ نَفْسٌ لِتَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، وَأَنَّ تَغْيِيرَ الْآجَالِ مُمْتَنِعٌ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كِتاباً مُؤَجَّلًا فيه مسائل: