ذَلِكَ الزَّوْجِ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الرَّدِّ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ أَوْ مِنَ الرُّبُعِ إِلَى الثُّمُنِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِابْنِ وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ وَلَا بَيْنَ الْبِنْتِ وَبَيْنَ بِنْتِ الِابْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غَسْلُ زَوْجَتِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَوْجَتُهُ فَيَحِلُّ لَهُ غَسْلُهَا، بَيَانُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ سَمَّاهَا زَوْجَةً حَالَ مَا أَثْبَتَ لِلزَّوْجِ نصف مالها عند موتها، وإنما ثَبَتَ لِلزَّوْجِ نِصْفُ مَالِهَا عِنْدَ مَوْتِهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، إِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَحِلَّ لَهُ غَسْلُهَا لِأَنَّهُ قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ مَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ غَسْلُهَا، وَعِنْدَ حُصُولِ الزَّوْجِيَّةِ حَلَّ لَهُ غَسْلُهَا، وَالدَّوَرَانُ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ ظَاهِرًا. وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ غَسْلُهَا: بَيَانُ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ لَحَلَّ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَطْؤُهَا لِقَوْلِهِ: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ٦] وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حِلُّ الْغَسْلِ، لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ إِمَّا مَعَ حِلِّ النَّظَرِ وَهُوَ بَاطِلٌ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «غُضَّ بَصَرَكَ إِلَّا عَنْ زَوْجَتِكَ»
أَوْ بِدُونِ حِلِّ النَّظَرِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَالْجَوَابُ: لَمَّا تَعَارَضَتِ الْآيَتَانِ فِي ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَجَبَ التَّرْجِيحُ فَنَقُولُ: لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لَكَانَ قَوْلُهُ: نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ مَجَازًا، وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا لَزِمَ التَّخْصِيصُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى، فَكَانَ التَّرْجِيحُ مِنْ جَانِبِنَا، وَكَيْفَ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ حَصَلَتِ الزَّوْجِيَّةُ وَلَمْ يَحْصُلْ حِلُّ الْوَطْءِ مِثْلُ زَمَانِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَمِثْلُ نَهَارِ رَمَضَانَ، وَعِنْدَ اشْتِغَالِهَا بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْحَجِّ الْمَفْرُوضِ، وَعِنْدَ كَوْنِهَا فِي الْعِدَّةِ عَنِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَأَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْكَثِيرَةِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَصَالِحِ، فَعَادَ إِلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ، أَمَّا حِلُّ الْغَسْلِ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْشَأٌ لِلْمَصَالِحِ الْكَثِيرَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِبَقَائِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الرِّجَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ، وَحَيْثُ ذَكَرَ النِّسَاءَ ذَكَرَهُنَّ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَايَبَةِ، وَأَيْضًا/ خَاطَبَ اللَّهُ الرِّجَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَذَكَرَ النِّسَاءَ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْغَيْبَةِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا رَاعَى هَذِهِ الدَّقِيقَةَ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ فِي النَّصِيبِ، وَنَبَّهَ بِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ على مزيد فضلهم عليهن.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ.
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي شَرْحِ تَوْرِيثِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ الْوَرَثَةِ وَهُمُ الْكَلَالَةُ وَهُمُ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَةٍ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: كَثُرَ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ الْكَلَالَةِ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْكَلَالَةُ مِنْ سِوَى الْوَلَدِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا طُعِنَ قَالَ: كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لا ولد له، وأنا أستحيى أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ، الْكَلَالَةُ مَنْ عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ، وَعَنْ عُمَرَ فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ التَّوَقُّفُ، وَكَانَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ، لَأَنْ يَكُونَ بَيَّنَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْكَلَالَةُ، وَالْخِلَافَةُ، وَالرِّبَا. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: التَّمَسُّكُ بِاشْتِقَاقِ لَفْظِ الْكَلَالَةِ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: يُقَالُ: كَلَّتِ الرَّحِمُ بَيْنَ فُلَانٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute