للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يُقَالُ رَجُلٌ كَلَالَةٌ، وَامْرَأَةٌ كَلَالَةٌ، وَقَوْمٌ كَلَالَةٌ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ كَالدَّلَالَةِ وَالْوَكَالَةِ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِذَا جَعَلْنَاهَا صِفَةً لِلْوَارِثِ أَوِ الْمُوَرَّثِ كَانَ بِمَعْنَى ذِي كَلَالَةٍ، كَمَا يَقُولُ: فُلَانٌ مِنْ قَرَابَتِي يُرِيدُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِي، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً كَالْهَجَاجَةِ وَالْفَقَاقَةِ لِلْأَحْمَقِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: يُورَثُ فِيهِ احْتِمَالَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ وَرِثَهُ الرَّجُلُ يَرِثُهُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الرَّجُلُ هُوَ الْمَوْرُوثُ مِنْهُ، وَفِي انْتِصَابِ كَلَالَةً وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: يُورَثُ حَالَ كَوْنِهِ كَلَالَةً، وَالْكَلَالَةُ مَصْدَرٌ وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَالِ تَقْدِيرُهُ: يُورَثُ مُتَكَلِّلَ النَّسَبِ، وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ قوله: يُورَثُ صفة لرجل، وكَلالَةً خَبَرَ كَانَ، وَالتَّقْدِيرُ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ مِنْهُ كَلَالَةً، وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ، أَيْ يُورَثُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ كَلَالَةً.

الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: فِي قَوْلِهِ: يُورَثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ أَوْرَثَ يُورِثُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الرجل هو الوارب، وَانْتِصَابُ كَلَالَةً عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا يَكُونُ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَرَأَ الْحَسَنُ، وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: يُورِثُ وَيُوَرِّثُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى الْفَاعِلِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَفِيهِ مسألتان:

المسألة الأولى: هاهنا سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَهُ أَخٌ فَكَنَّى عَنِ الرَّجُلِ وَمَا كَنَّى عَنِ الْمَرْأَةِ فَمَا السَّبَبُ فِيهِ؟

وَالْجَوَابُ قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا جَائِزٌ فَإِنَّهُ إِذَا جَاءَ حَرْفَانِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ «بِأَوْ» جَازَ إِسْنَادُ التَّفْسِيرِ إِلَى أَيِّهِمَا أُرِيدَ، وَيَجُوزُ إِسْنَادُهُ إِلَيْهِمَا أَيْضًا، تَقُولُ: مَنْ كَانَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلْيَصِلْهُ، يَذْهَبُ إِلَى الْأَخِ، أَوْ فَلْيَصِلْهَا يَذْهَبُ إِلَى الْأُخْتِ، وَإِنْ قُلْتَ فَلْيَصِلْهُمَا جَازَ أَيْضًا.

المسألة الثانية: أجمع المفسرون هاهنا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ: الْأَخُ وَالْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي قاص يَقْرَأُ: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ، وَإِنَّمَا حَكَمُوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ/ فِي آخِرِ السُّورَةِ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النِّسَاءِ: ١٧٦] فَأَثْبَتَ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْإِخْوَةِ كُلَّ الْمَالِ، وهاهنا أَثْبَتَ لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ الثُّلُثَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ المراد من الاخوة والأخوات هاهنا غَيْرَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ، فَالْمُرَادُ هاهنا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأُمِّ فَقَطْ، وَهُنَاكَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْ مِنَ الْأَبِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ [النساء: ١١] وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْوَصِيَّةِ بِكُلِّ الْمَالِ وَبِأَيِّ بَعْضٍ أُرِيدَ، وَمِمَّا يُوَافِقُ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا

رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُوصِي بِهِ ثُمَّ تَمْضِي عَلَيْهِ لَيْلَتَانِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»

فَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ كَيْفَ أُرِيدَ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ الْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: فِي قَدْرِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ الْمَالِ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِيرَاثِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا، أَمَّا الْمُجْمَلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ [النساء: ٧] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِكُلِّ الْمَالِ تَقْتَضِي نَسْخَ هذا