للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشُّعَرَاءِ: ١٩٦] فَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ مَوْجُودَةٌ فِي زبر الأولين، وقوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ فَالْمَعْنَى لِأُنْذِرَكُمْ مَعْنَاهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ الْقَلِيلُ مِنَ الْمَجَازِ يَجُوزُ تَحَمُّلُهُ لِأَجْلِ الدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمُقْتَدِي، سَوَاءٌ أَسَرَّ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ جَهَرَ بِهَا، وَقَالَ فِي «الْقَدِيمِ» : تَجِبُ الْقِرَاءَةُ إِذَا أَسَرَّ الْإِمَامُ، وَلَا تَجِبُ إِذَا جَهَرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَنَا وُجُوهٌ: - الحجة الأولى: قوله تعالى: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [الْمُزَّمِّلِ: ٢٠] وَهَذَا الْأَمْرُ يَتَنَاوَلُ الْمُنْفَرِدَ وَالْمَأْمُومَ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فيجب علينا ذلك لقوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كَوْنَهُ مَأْمُومًا يَمْنَعُ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّا بينا أن قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْأَفْعَالِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: أَقِيمُوا الصَّلاةَ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَمْرُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»

وَقَدْ ثَبَتَ تَقْرِيرُ وَجْهِ الدَّلِيلِ.

فَإِنْ قَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ مَخْصُوصٌ بِحَالِ الِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ

رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ،

قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ طَعَنُوا فِيهِ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ:

قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي عَلَّمَهُ أَعْمَالَ الصَّلَاةِ: «ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»

وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُنْفَرِدَ وَالْمَأْمُومَ.

الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ:

رَوَى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي «جَامِعِهِ» بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَحْمُودِ بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قَرَأَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الصُّبْحِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَا لي أراكم تقرءون خَلْفَ إِمَامِكُمْ» ، قُلْنَا: إِي وَاللَّهِ، قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» ،

قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ:

رَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَامٍّ، قَالَ: فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا خَلْفَ الْإِمَامِ، قَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ،

وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْخَبَرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: / أَنَّ صَلَاةَ المقتدى بدون القراءة مبرأة عَنِ الْخِدَاجِ عِنْدَ الْخَصْمِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الثَّانِي: أَنَّ السَّائِلَ أَوْرَدَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ الْمَطْلُوبَ.

الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ:

رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» ،

بَيَّنَ أَنَّ التَّنْصِيفَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ الْقِرَاءَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مِنْ لَوَازِمِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا التَّنْصِيفُ قَائِمٌ فِي صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ وَفِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي» .