بَاطِلٌ، لِأَنَّ صِيغَةَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَلَامٌ وَهُوَ عَرَضٌ لَا يَبْقَى، وَالْقَبُولُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بَعْدَ الْإِيجَابِ، وَحُصُولُ الِانْعِقَادِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ مُحَالٌ. وَالثَّانِي: بَاطِلٌ، لِأَنَّ الشَّرْعَ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بُطْلَانَ هَذَا الْعَقْدِ قَطْعًا، وَمَعَ كَوْنِ هَذَا الْعَقْدِ بَاطِلًا قَطْعًا فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ شَرْعًا؟ فَثَبَتَ أَنَّ وُجُودَ هَذَا/ الْعَقْدِ وَعَدَمَهُ بِمَثَابَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَبَاقِي التَّفْرِيعِ وَالتَّقْرِيرِ مَا تَقَدَّمَ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ: الْبَنَاتُ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: كُلُّ أُنْثَى يَرْجِعُ نَسَبُهَا إِلَيْكَ بِالْوِلَادَةِ بِدَرَجَةٍ أَوْ بِدَرَجَاتٍ، بِإِنَاثٍ أَوْ بِذُكُورٍ فَهِيَ بِنْتُكَ، وَأَمَّا بِنْتُ الِابْنِ وَبِنْتُ الْبِنْتِ فَهَلْ تُسَمَّى بِنْتًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؟ فَالْبَحْثُ فِيهِ عَيْنُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأُمَّهَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الْبِنْتُ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحْرُمُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتًا لَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحْرُمَ، إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتًا لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ:
أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إِمَّا أَنْ يُثْبِتَ كَوْنَهَا بِنْتًا لَهُ بِنَاءً عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ كَوْنُهَا مَخْلُوقَةً مِنْ مَائِهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الشَّرْعِ بِثُبُوتِ هَذَا النَّسَبِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ عَلَى مَذْهَبِهِ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَمَّا الطَّرْدُ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِكْرًا وَافْتَضَّهَا وَحَبَسَهَا فِي دَارِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَهَذَا الْوَلَدُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَا يَثْبُتُ نَسَبُهَا إِلَّا عند الِاسْتِلْحَاقِ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ كَوْنَ الْوَلَدِ مُتَخَلِّقًا مِنْ مَائِهِ لَمَا تَوَقَّفَ فِي ثُبُوتِ هَذَا النَّسَبِ بِغَيْرِ الِاسْتِلْحَاقِ، وَأَمَّا الْعَكْسُ فَهُوَ أَنَّ الْمَشْرِقِيَّ إِذَا تَزَوَّجَ بِالْمَغْرِبِيَّةِ وَحَصَلَ هُنَاكَ وَلَدٌ، فَأَبُو حَنِيفَةَ أَثْبَتَ النَّسَبَ هُنَا مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْ مَائِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَعْلِ التَّخْلِيقِ مِنْ مَائِهِ سَبَبًا لِلنَّسَبِ بَاطِلٌ طَرْدًا وَعَكْسًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: النَّسَبُ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، فَهَهُنَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا نَسَبَ لِوَلَدِ الزِّنَا مِنَ الزَّانِي، وَلَوِ انْتَسَبَ إِلَى الزَّانِي لَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ الِانْتِسَابِ، فَثَبَتَ أَنَّ انْتِسَابَهَا إِلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لَا بِنَاءً عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الشَّرْعِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: التَّمَسُّكُ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»
فَقَوْلُهُ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ
يَقْتَضِي حَصْرَ النَّسَبِ فِي الْفِرَاشِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: لَوْ كَانَتْ بِنْتًا لَهُ لَأَخَذَتِ الْمِيرَاثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النِّسَاءِ: ١١] وَلَثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ،
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «زَوِّجُوا بَنَاتِكُمُ الْأَكْفَاءَ»
وَلَوَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَحَضَانَتُهَا، وَلَحَلَّتِ الْخَلْوَةُ بِهَا، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلِمْنَا انْتِفَاءَ الْبِنْتِيَّةِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتًا لَهُ وَجَبَ أَنْ يَحِلَّ التَّزَوُّجُ بِهَا، لِأَنَّ حُرْمَةَ التَّزَوُّجِ بِهَا إِمَّا لِلْبِنْتِيَّةِ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ الزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَهَذَا الْحَصْرُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَالْبِنْتِيَّةُ بَاطِلَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِسَبَبِ الزِّنَا أَيْضًا بَاطِلَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَثَبَتَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَى الزَّانِي واللَّه أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ: الْأَخَوَاتُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعًا، / وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ فَقَطْ، وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأُمِّ فَقَطْ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: كُلُّ ذَكَرٍ رَجَعَ نَسَبُكَ إِلَيْهِ فَأُخْتُهُ عَمَّتُكَ، وَقَدْ تَكُونُ الْعَمَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي أُمِّكَ، وَكُلُّ أُنْثَى رَجَعَ نَسَبُكَ إِلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ فَأُخْتُهَا خالتك،