الشَّرْطَ لَوْ عَادَ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهَا وَبِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ الرَّبَائِبِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَصِيرُ نَظْمُ الْآيَةِ هَكَذَا/ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دخلتم بهن، فيكون المراد بكلمة «من» هاهنا التَّمْيِيزَ ثُمَّ يَقُولُ: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بكلمة «من» هاهنا ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ كَمَا يَقُولُ: بَنَاتُ الرَّسُولِ مِنْ خَدِيجَةَ، فَيَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْمُشْتَرَكِ فِي كِلَا مَفْهُومَيْهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ فَيُقَالَ: إِنَّ كَلِمَةَ «مِنْ» لِلِاتِّصَالِ كقوله تَعَالَى:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التَّوْبَةِ: ٧١]
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي»
وَمَعْنَى مُطْلَقِ الِاتِّصَالِ حَاصِلٌ فِي النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ مَعًا.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ: مَا
رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، دَخَلَ بِالْبِنْتِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْأُمَّ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ،
وَطَعَنَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ يُفْتِي بِنِكَاحِ أُمِّ الْمَرْأَةِ إِذَا طَلَّقَ بِنْتَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْكُوفَةِ، فَاتَّفَقَ أَنْ ذَهَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَصَادَفَهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى خِلَافِ فَتْوَاهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ لَمْ يَدْخُلْ دَارَهُ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَقَرَعَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَأَمَرَهُ بِالنُّزُولِ عَنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ فِي التَّحْرِيمِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الدُّخُولِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلَمَّا كَانَ فِي حُكْمِ الدُّخُولِ فِي بَابِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ، لَا جَرَمَ جَعَلَهُ اللَّه سَبَبًا لِهَذَا التَّحْرِيمِ.
النوع الحادي عشر: من المحرمات.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الرَّبَائِبُ: جَمْعُ رَبِيبَةٍ، وَهِيَ بِنْتُ امْرَأَةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَعْنَاهَا مَرْبُوبَةٌ، لِأَنَّ/ الرجل هو يربها يقال: ربيت فلانا أربه: وربيته أُرَبِّيهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْحُجُورُ جَمْعُ حِجْرٍ، وَفِيهِ لُغَتَانِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: حَجْرُ الْإِنْسَانِ وَحِجْرُهُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فِي حُجُورِكُمْ أَيْ فِي تَرْبِيَتِكُمْ، يُقَالُ: فُلَانٌ فِي حِجْرِ فُلَانٍ إِذَا كَانَ فِي تَرْبِيَتِهِ، وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَبَّى طِفْلًا أَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَصَارَ الْحِجَرُ عِبَارَةً عَنِ التَّرْبِيَةِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي حَضَانَةِ فُلَانٍ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحِضْنِ الَّذِي هُوَ الْإِبْطُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فِي حُجُورِكُمْ أَيْ فِي بُيُوتِكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
رَوَى مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الرَّبِيبَةُ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ وَكَانَتْ فِي بَلَدٍ آخَرَ، ثُمَّ فَارَقَ الْأُمَّ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّبِيبَةَ، وَنُقِلَ أَنَّهُ رِضْوَانُ اللَّه