للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَلَوْ كَانَتِ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ مُقَرِّرَةً لِلْمَهْرِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ تَتَقَدَّمُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ، فَكَانَ الْمَهْرُ يَتَقَرَّرُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَتَقَرُّرُهُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ يَمْنَعُ مِنْ تَعَلُّقِ ذَلِكَ التَّقَرُّرِ بِالِاسْتِمْتَاعِ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ تَقَرُّرَ الْمَهْرِ يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِمْتَاعِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ لَا تُقَرِّرُ الْمَهْرَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ الْمُرَادُ مِنْهُ ابْتِغَاءُ النِّسَاءِ بِالْأَمْوَالِ عَلَى طَرِيقِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ

فَإِنِ اسْتَمْتَعَ بِالدُّخُولِ بِهَا آتَاهَا الْمَهْرَ بِالتَّمَامِ، وَإِنِ اسْتَمْتَعَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ آتَاهَا نِصْفَ الْمَهْرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ حُكْمُ الْمُتْعَةِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِمَالٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ فَيُجَامِعَهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ،

رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ فِي عُمْرَتِهِ تَزَيَّنَ نِسَاءُ مَكَّةَ، فَشَكَا أَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ الْعُزُوبَةِ فَقَالَ: اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ،

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا هَلْ نُسِخَتْ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْأُمَّةِ إِلَى أَنَّهَا صَارَتْ مَنْسُوخَةً، وَقَالَ السَّوَادُ مِنْهُمْ: إِنَّهَا بَقِيَتْ مُبَاحَةً كَمَا كَانَتْ وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَعَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إِحْدَاهَا:

الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ، قَالَ عُمَارَةُ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ: أَسِفَاحٌ هِيَ أَمْ نِكَاحٌ؟ قَالَ: لَا سِفَاحٌ وَلَا نِكَاحٌ، قُلْتُ: فَمَا هِيَ؟ قَالَ: هِيَ مُتْعَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى، قُلْتُ: هَلْ لَهَا عِدَّةٌ؟ قَالَ نَعَمْ عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ، قُلْتُ: هَلْ يَتَوَارَثَانِ؟ قَالَ لَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ: أَنَّ النَّاسَ لَمَّا ذَكَرُوا الْأَشْعَارَ فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَاتَلَهُمُ اللَّه إِنِّي مَا أَفْتَيْتُ بِإِبَاحَتِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، لَكِنِّي قُلْتُ: إِنَّهَا تَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ كَمَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ لَهُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا صَارَتْ مَنْسُوخَةً. رَوَى عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ قَالَ صَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطَّلَاقِ: ١] وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْ قَوْلِي فِي الْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ وَأَمَّا عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّه تَعَالَى وَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا آيَةٌ تَنْسَخُهَا/ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَتَّعْنَا بِهَا، وَمَاتَ وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. وَأَمَّا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَالشِّيعَةُ يَرْوُونَ عَنْهُ إِبَاحَةَ الْمُتْعَةِ،

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ عُمَرَ نَهَى النَّاسَ عَنِ الْمُتْعَةِ مَا زَنَى إِلَّا شَقِيٌّ،

وَرَوَى مُحَمَّدُ بن على المشهور بمحمد بن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَرَّ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يُفْتِي بِجَوَازِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ:

إِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ،

فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّوَايَاتِ. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى حُرْمَةِ الْمُتْعَةِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إِلَّا فِي الزَّوْجَةِ أَوِ الْمَمْلُوكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [المعارج: ٢٩، ٣٠] ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ لَا شَكَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً، وَلَيْسَتْ أَيْضًا زَوْجَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: لَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَحَصَلَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ [النِّسَاءِ: ١٢] وَبِالِاتِّفَاقِ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَثَانِيهَا: وَلَثَبَتَ النَّسَبُ،

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»

وَبِالِاتِّفَاقِ لَا يَثْبُتُ، وَثَالِثُهَا: وَلَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: وَالَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>