للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق الأول: أَنْ نَقُولَ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ يَتَنَاوَلُ مَنِ ابْتَغَى بِمَالِهِ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ، وَمَنِ ابْتَغَى بِمَالِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْقِيتِ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ دَاخِلًا فِيهِ كَانَ قَوْلُهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ يَقْتَضِي حِلَّ الْقِسْمَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حِلَّ الْمُتْعَةِ.

الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى بَيَانِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: مَا رُوِيَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ يَقْرَأُ (فما استمعتم بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وَهَذَا أَيْضًا هُوَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْأُمَّةُ مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ فِي أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا مَنَعَ مِنَ الْمُتْعَةِ وَالصَّحَابَةُ/ مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا على صحة ما ذكرنا، وكذا هاهنا، وَإِذَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ صِحَّةُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بَإِيتَائِهِنَّ أُجُورَهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ يُجَوِّزُ الْوَطْءَ، وَمُجَرَّدُ الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ الْمُطْلَقِ فَهُنَاكَ الْحِلُّ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ، وَمَعَ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ، وَمُجَرَّدُ الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُتْعَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أُوجِبَ إِيتَاءَ الْأُجُورِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ عِبَارَةٌ عَنِ التَّلَذُّذِ وَالِانْتِفَاعِ، فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَإِيتَاءُ الْأُجُورِ لَا يَجِبُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ الْبَتَّةَ، بَلْ عَلَى النِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ يَلْزَمُ نِصْفُ الْمَهْرِ، فَظَاهِرٌ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُسَمَّى اسْتِمْتَاعًا، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ هُوَ التَّلَذُّذُ. وَمُجَرَّدُ النِّكَاحِ لَيْسَ كَذَلِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّا لَوْ حَمَلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى حُكْمِ النِّكَاحِ لَزِمَ تَكْرَارُ بَيَانِ حُكْمِ النِّكَاحِ فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [النِّسَاءِ:

٣] ثُمَّ قَالَ: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النِّسَاءِ: ٤] أَمَّا لَوْ حَمَلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى بَيَانِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَانَ هَذَا حُكْمًا جَدِيدًا، فَكَانَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ أَوْلَى واللَّه أَعْلَمُ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ: أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ كَانَ جَائِزًا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ فِيهِ، إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَرَيَانِ النَّاسِخِ، فَنَقُولُ: لَوْ كَانَ النَّاسِخُ مَوْجُودًا لَكَانَ ذَلِكَ النَّاسِخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالتَّوَاتُرِ، أَوْ بِالْآحَادِ، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِالتَّوَاتُرِ، كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ مُنْكِرِينَ لِمَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَكْفِيرَهُمْ، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْآحَادِ فَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثُبُوتُ إِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ مَعْلُومًا بِالْإِجْمَاعِ وَالتَّوَاتُرِ، كَانَ ثُبُوتُهُ مَعْلُومًا قَطْعًا، فَلَوْ نَسَخْنَاهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَزِمَ جَعْلُ الْمَظْنُونِ رَافِعًا لِلْمَقْطُوعِ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ. قَالُوا: وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِهَذَا النَّسْخِ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَفِي يَوْمِ الْفَتْحِ، وَهَذَانِ الْيَوْمَانِ مُتَأَخِّرَانِ عَنْ يَوْمِ خَيْبَرَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَا

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَسَخَ الْمُتْعَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ،

لِأَنَّ النَّاسِخَ يَمْتَنِعُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْمَنْسُوخِ، وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ حَصَلَ التَّحْلِيلُ مِرَارًا وَالنَّسْخُ مِرَارًا ضَعِيفٌ، لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُعْتَبَرِينَ، إِلَّا الَّذِينَ أَرَادُوا إِزَالَةَ التَّنَاقُضِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: مَا

رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا مَشْرُوعَتَيْنِ فِي عَهْدِ/ رَسُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>